يتبين اليوم، ونحن نجلس على مسافة كافية من إسقاط نظام صدام حسين في 2003، أن أحد أهم التغييرات في السياسة الأميركية، وخصوصاً بعد الـ11 من أيلول (سبتمبر) هو تغيير الحلفاء، كانت الصدمة كبيرة لدى الأميركان جراء تفجيرات البرجين، وكانت تطرح أسماء دول عدة يرى الأميركان أن تغيير نظامها هو الرد الحقيقي لكرامة العم سام، وكان على رأسها سورية والسعودية ومصر.
آنذاك سوّق الشيعة والإخوان المسلمون أنفسهم بديلاً مناسباً لجميع الكراسي القديمة في المنطقة، فكان الإخوان يقدمون شهادات الولاء للأميركان في مواقع عدة، فيثبتون أنهم يستطيعون الحشد وتحقيق مناصب برلمانية، كما حصل مع «حماس» وإخوان مصر في انتخابات 2005، وزاد إخوان مصر باعترافهم وقبولهم باتفاق «كامب ديفيد»، أما إخوان العراق على سبيل المثال، فكانوا السنة العرب الوحيدين المشاركين في العملية السياسية بمباركة بول بريمر، وصولاً إلى رئيس البرلمان العراقي الحالي سليم الجبوري.
دول المنطقة، وخصوصا الدول الكبرى، أدركت هذا المخطط، ولا سيما بعد عاصفة الربيع العربي، وأدركت أن هذا المخطط تقسيمي طائفي، وأن هناك دولاً في المنطقة تشارك فيه تمويلاً وتخطيطاً وتدريباً، ولأن النظام العالمي بتركيبته الحالية متشابك اقتصادياً وسياسياً، فالولايات المتحدة تمارس دائماً الضغط على الأنظمة التي تريد تغييرها، عبر مثلث ضلعه الثالث، وهو منظمات حقوق الإنسان، إضافة إلى العقوبات الاقتصادية وعدم الاعتراف بالنظام، كما يحصل مع مصر منذ الـ30 من حزيران (يونيو) على وجه التحديد.
في الـ17 من شباط (فبراير) الماضي كتبت مقالة بعنوان: «فترة الانتقالات الشتوية» عن زيارة السيسي بصفته وزير دفاع، لموسكو، ذكرت فيه: «يرد وزيرا الخارجية والدفاع المصريان الزيارة إلى نظيريهما في موسكو». الإعلام الروسي تناول زيارة المشير السيسي بترحاب جم، وشبهه بزيارة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر في الـ4 من تموز (يوليو) 1968، التي تلت الفتور بين عبدالناصر والغرب.
بوتين استقبل المشير السيسي بحفاوة مبالغ فيها في الكرملين، وقال إن قرار الترشح لمنصب الرئاسة صعب جداً، لأنه يضع على عاتق السيسي المسؤولية الكاملة عن مصير الشعب المصري، ثم أعرب عن تمنياته بالنجاح، باسمه شخصياً وباسم الشعب الروسي، وهو ما أغضب الأميركيين، إذ اعتبروا السيسي مرشحاً روسياً، وهو ما دفع المتحدثة باسم الخارجية الأميركية ماري هارف إلى القول: «بالتأكيد، نحن لا ندعم مرشحاً، ولا أعتقد بكل صراحة أنه يعود للولايات المتحدة أو لبوتين أن يقررا في شأن من سيحكم مصر؟ القرار يعود للشعب المصري».
وسبق تلك الزيارة أن رفضت أميركا تقديم طائرات أباتشي لمصر، لأجل التصدي للإرهابيين في سيناء، بل قمة الوقاحة كانت رفض إعادة طائرات أباتشي مصرية كانت تخضع للصيانة في أميركا، ولكنه نهج أميركي معروف، لا يمانع في وجود الإرهاب في سيناء متى ما كان سبيلاً إلى تعطل السياحة وفشل السيسي، تماماً كما تتعامل مع «داعش» بوصفه خطراً في الأراضي العراقية على «الترويكا» التي رسمتها، ولا ترى التدخل ضده ضرورياً في سورية. السيسي يدرك أن سبيل استعادة مصر عافيتها لا تأتي إلا بالأمن والاقتصاد، والأمن بالطبع سابق للاقتصاد، والخط الأول للدفاع بالنسبة لأمن مصر هو ليبيا، التي يحتاج الحسم فيها إلى تدخل قوات عسكرية مصرية، وهذا ما دفع بالسيسي إلى التبكير بزيارة بوتفليقة، لأن مشاركة الجزائر مهمة لعودة ليبيا دولةً، بينما قبل الأميركان بالرئيس بوتفليقة مقعداً، وأغروه بقواعد أميركية لتستمر ليبيا على حالها، وجعل نهوض مصر صعباً.
السيسي قام بزيارتين مهمتين عنوانهما الرئيس: «حلفاء مصر الحقيقيون»، قام بزيارة المملكة وفتحت له الكعبة ترحيباً وحفاوة، وزار روسيا وكانت طائرات السوخوي ترافق طائرات الرئيس منذ دخوله الأجواء الروسية ترحيباً، وعندما تزور القاهرة تجد على لوحات السيارات الديبلوماسية، رقم السفارة ورقم المركبة، ورقم السفارة الروسية هو «1»، وها هي موسكو تعود لتكون الحليف المصري، بعد رفض الأميركان سقوط حلفائهم في مصر.
صحيفة الحياة
http://alhayat.com/Opinion/Abdulrahmaan-Al-Toriri/4177122
الاثنين 18 أغسطس 2014
اترك تعليقاً