كان العالم في حدية كبيرة خلال فترة انشطاره إلى قطبين، وكانت الدول العربية كغيرها مقسومة بين المعسكرين الشرقي والغربي، مع نهاية الحرب الباردة وتحول العالم إلى عالم القطب الأوحد، كان المفترض أن تقل المهاترات والمزايدات ذات العلاقة بالإمبريالية وصورها الجديدة، وللأسف ظل يلاحقنا طنين كلمات أحمد سعيد، في مختلف المواقف مع تغيير طفيف في المفردات.
في كل موقف نزاع كانت المزايدات تزداد، وشعارات الكذب كانت المتن وحديث العقل والمنطق هو الهامش، حدث ذلك بدءاً في غزو صدام حسين للكويت، ولغة من وقفوا معه من جمهوريات المذياع، ولأن الوعي عدو التعليم الأول في الدول العربية، فقد كان الكثيرون يؤمنون بأن صدام سيحرر القدس عبر محور العبدلي – المطلاع – الجهراء – تل أبيب.
وبالطبع كانت الصواريخ التي أطلقها صدام على إسرائيل، وذلك أثناء هزيمته وخروجه من الكويت، سبباً آخر لاعتباره بطل المقاومة ضد العدو الصهيوني، وكم تمنينا أنه ألحق بالفعل ضرراً بالعدو الصهيوني لكنه للأسف لم يفعل، إلا أن صواريخه معدومة الفائدة كانت السبب الأول لما وصلت له العراق اليوم، إذ كانت المقدمة لما نتيجته غزو العراق في 2003، وقرار أميركا أن تبقى العراق تحت حكم شيعي، خصوصاً مع تجربة الحكم السوري العلوي كحليف في السر للإسرائيليين مميزة.
وما دام الحديث عن سورية، فلا بد أن نعرج على سيد المقاومة سماحة السيد حسن نصر الله، إذ كان العام 2006 عام بطولة بالنسبة له، وإن كانت واقعياً تشبه السادية أكثر منها الحرب، فأنت تؤذي إسرائيل أذى بسيطاً عبر خطف جنديين، لتدمر البنية التحتية لديك وتقتل المئات من الأبرياء، وتقضي على السياحة في البلد ولمدة أعوام، من دون أي مكسب ملموس، ويتهم من يعادونهم ويحذرون من خطر إيران بأنهم متصهينون، مستكثيرين علينا أن يكون أعداؤنا ثلاثة: إسرائيل وإيران وشعاراتهم المضللة للوعي.
حرب تموز (يوليو) 2006 وما تلا ذلك من أداء سياسي لحزب الله، كانت فرصة كبيرة لنعي كذب مقاومي المذياع، كانت فرصة لندرك أن العبارات الرنانة، ربما كانت كذلك لأن القدر فارغ وذاك سبب الرنين، كان نصر الله أيضاً يعتبر أنه سيقاوم حتى يحرر فلسطين ومزارع شبعا وتلال كفر شوبا، أتى بعد الانسحاب الإسرائيلي الأحادي من الأراضي اللبنانية، ولم يبق تحت الاحتلال سوى مزارع شبعا وتلال كفر شوبا، التي يرفض الحزب ترسيم حدودها مع سورية، ليعلم اللبنانيون والعرب هل تحتل إسرائيل أرضاً سورية أم لبنانية، وبالطبع لا يستطيع الحزب الإقرار بسورية الأرض حتى لا يتوجب عليه التخلي عن السلاح. وبالتالي كان على السيد أن يذكر فلسطين ومزارع شبعا في كل حديث لاحق، لكن هذا السلاح وُجه لسنة بيروت ولدروز الجبل في 2008، وهدد فيه أشقاءه اللبنانيين بدلاً من أن يقاوم به إسرائيل، ثم أسقط باقي الأقنعة عبر مشاركته لجيش الأسد في قتل سنة سورية، ولكن هذه المرة عبر شعار طائفي يستخدم أيضاً في العراق اليوم، وهو حماية الأضرحة والمقدسات الشيعية.
اليوم تتعرض غزة لواحدة من أبشع عمليات القصف والتدمير من الجيش الإسرائيلي، وحتى لا نكرر خطابات المذياع المترهلة نفسها عن المقاومة، فلا بد أن ندرك أن إقرارنا بوحشية إسرائيل وقتلها للأبرياء، لا يعني ألا نحمل حماس الإخوانية المسؤولية أيضاً، وليخبرونا لماذا أصبح قادتهم يختبئون في بيوت أسر مأهولة بالأطفال تمترساً، وليشرحوا لنا مكاسب المقاومة من خطف المستوطنين وقتلهم أو حتى خطف الجندي جلعاد شاليط من قبل، أم أن المكاسب هي التخفيف عن إيران في الجبهة العراقية والسورية ولخالد مشعل في الدوحة، ولإحراج السلطة الفلسطينية بعد المصالحة وإحراج النظام الجديد في مصر.
صحيفة الحياة
http://alhayat.com/Opinion/Abdulrahmaan-Al-Toriri/3577761/
الاثنين 14 يوليو 2014
اترك تعليقاً