في رمضان قبل الماضي تعرض منفذ رفح من الجهة المصرية لحادثة إرهابية، تعرض من خلالها جنود حرس الحدود للاغتيال، وكان ذلك أثناء تناول الجنود لطعام الإفطار، وأدت إلى قتل 16 جندياً مصرياً، وكانت القراءة المباشرة للحادثة من مقدماتها كمؤشر على مدى تفشي الإرهاب والجماعات الجهادية في سيناء، كجزء من غياب الدولة الحاصل منذ سقوط مبارك في شباط (فبراير) 2011.
حادثة رفح حصلت إبان حكم جماعة الإخوان المسلمين عبر الرئيس محمد مرسي، وهذا ما جعل قراءة الحدث الإرهابي الذي تعرض له الجنود تأتي من نتائج الحدث لا مقدماته، والنتيجة الأبرز بالطبع هي عزل قيادات المجلس العسكري، عبر إقالة المشير طنطاوي والفريق عنان، والتي كانت خطوة من خطوات الإخوان للاستفراد بالحكم، كشبيهاتها من خطوات التضييق على الإعلام والقضاء.
حادثة اغتيال الجنود المصريين عادت إلى الأذهان في هذه الأيام، مع الاعتداء الإرهابي الذي تعرض له جنود حرس الحدود السعوديون، وأدى إلى استشهاد قائد دورية أمنية، وذلك بالقرب من منفذ «الوديعة» الحدودي في محافظة شرورة، وقتل على إثره ثلاثة إرهابيين وجرح الرابع، ثم فجر الشخصان الباقيان نفسيهما بعد حصار القوات لهم في مبنى حكومي بشرورة. الحوادث الحدودية من محاولات التهريب للمخدرات أو للمطلوبين أمر معتاد، لاسيما مع دولة كبيرة ومستهدفة مثل المملكة، ولكن في هذه الأيام لا يمكن النظر إلى الحادثة من دون محيطها الإقليمي، وخصوصاً ما يحدث في العراق، والتسريبات الكاذبة التي صدرت من عملاء إيران عن سحب المالكي لقواته على الحدود مع السعودية، والذي ردت عليه السعودية بإعلان غير رسمي عن نشر 30 ألف عنصر على الحدود.
منذ بدأت أحداث سورية وحتى اليوم قد نفهم اندفاع إيران لدعم بشار بكل السبل، وإدراك أن بقاءه الحائط الأول لحماية نظام الملالي في طهران، وبالطبع سورية هي الرابط بين لبنان والعراق، في الذراع الممتدة لإيران في الهلال الخصيب، وما تلاه من الدعاية الإعلامية الإيرانية التي أرادت اختصار الحراك السني في العراق بالدواعش، وما في ذلك من مزايدة على السعودية التي جرمت «داعش» في آذار (مارس) الماضي، بينما طهران تستضيف وتحرك قيادات القاعدة منذ 13 عاماً. ولكن ما الدافع لإيران لاتباع النهج نفسه في العراق؟ ولماذا تتمسك إيران بالحل العسكري عبر التمسك بالمالكي على رغم أنه أصبح ورقة محروقة، مع بهارات تصريحات الصدر والحكيم والسيستاني، التي تتنوع بين التشديد وبين الدعوة إلى حكومة ائتلافية كذر للرماد في العيون.
أما «القاعدة» وباقي الحركات الإرهابية، فتحولوا بامتياز إلى أداة بمحض إرادة قياداتهم وجهل عناصرهم، وهو ما يظهر جلياً في المشهد اليمني، إذ تحرك إيران «القاعدة» حيناً نحو صنعاء، و«القاعدة» والحوثيين حيناً آخر نحو السعودية، ومن نافلة القول أن هذه التنظيمات لم يعد لديها حرمة لصوم أو صلاة. من هنا يتبين كيف تفكر إيران وكيف حاول الإخوان تقليدها في مصر، إذ أراد الإخوان تسويق أنهم القادرون على ترويض «حماس» وإخوان تونس وباقي أفرع التنظيم، وكذلك تسعى إيران قبل جلسة المفاوضات مع دول الـ«5+1»، لكي لا تكون المفاوضات مقتصرة على خفض التخصيب في مقابل رفع العقوبات. بل تسعى إيران منذ اليوم الأول من المفاوضات إلى استعادة دور «عسكري المنطقة»، وتصدير فكرة للأميركان فحواها أنكم لا بد أن تفاوضونا على كل المناطق التي نستطيع أن نعبث بها، مثل البحرين وسورية والعراق، أو التي نستطيع تعطيلها مثل لبنان، أو التي نستطيع أن نهدد أمنها مثل المملكة، وهو ما يدفع إيران لتهديد الدول الكبيرة في المنطقة وأعني السعودية ثم مصر، لأنهما الحائلان دون أن تُمنح هذا الاعتراف الدولي ضمنياً.
صحيفة الحياة
الاثنين 7 يوليو 2014
http://alhayat.com/Opinion/Abdulrahmaan-Al-Toriri/3442475/
اترك تعليقاً