يترجل الرئيس الموقت عدلي منصور عن الكرسي «الملغم» لرئيس الجمهورية، بصفته رئيساً موقتاً، تاركاً المقعد للمشير عبدالفتاح السيسي، وهذا الأمر بالطبع لا يحمل أي مفاجآت، من دون أن يعتبر هذا تقليلاً من حمدين صباحي، بصفته مرشحاً أراد في ظني صنع مجد شخصي مستحق، وإن كان بالنتيجة حمى المشهد الديموقراطي، إذ كان ثمن انسحابه تحول الانتخابات إلى استفتاء محرج دولياً.

 المشهد الانتخابي لم يكن يحتمل أي تزوير، ولم يكن الرابح يحتاج إلى ذلك، وكان أكثر المشاهد رقياً هو تجاوز عدد من أبطلوا أصواتهم مليون صوت، وهي أكثر طرق الاعتراض حضارة، وكان لافتاً تجاوز أعداد من أبطلوا أصواتهم من صوّتوا لحمدين صباحي، ورافق المشهد الانتخابي خطوة تمتاز بـ«الفهلوة» عبر تمديد يوم ثالث للانتخابات، كخطوة غير مسبوقة، وهي خطوة قانونية، ولكنها تثير الشبهات حول العملية والنتائج، وقد رأت اللجنة تمديد الانتخابات يوماً ثالثاً بسبب موجة الحر الشديدة التي تتعرض لها مصر، وبالطبع فتأثير الطقس سبق أن أجل محاكمة محمد مرسي، بداعي سوء الأحوال الجوية، إذ كان الجو صحواً في كانون الثاني (يناير) الماضي.

 فوز المشير عبدالفتاح السيسي تتويج لعودة الجيش للحكم منذ ٢٠١١، فيما يعد إعادة إحياء لثورة ١٩٥٢، والتاريخ الصحيح لخروج الجيش من الحكم، أو لنقل تنحيه عن الحكم، يرجع إلى محاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك في أديس أبابا، والعمليات الإرهابية ضد السياح وضد الأمن المصري، إذ مثلت التسعينات الميلادية فترة ازدهار وزارة الداخلية على حساب الجيش، تبعاً لصعود أهمية الأمن الداخلي في مواجهة مع الجماعة الإسلامية و«الإخوان المسلمون»، توازياً مع استقرار السلام مع إسرائيل في عهد مبارك، وعدم وجود مخاطر خارجية حقيقية لا غرباً ولا جنوباً، وفترة تقهقر الجيش كانت بالطبع فترة رئاسة المشير طنطاوي للجيش.

الموجة الثانية من إقصاء الجيش كانت في ٢٠٠٥، حين تمسك مبارك بالرئاسة وتعفف عن الحكم، وهو ما عُرف بفترة حكم جمال مبارك وزمرة رجال الأعمال، حتى وجد الأسد الجريح «الجيش» في ٢٥ كانون الثاني (يناير) فرصة ذهبية، يزيل جمال مبارك عن المشهد، إذ كان توريثه المسمار الأخير في نعش «ثورة ٥٢»، وفرصة أيضاً لكي يعود الجيش إلى المشهد كسلطة فوق الحكم خلال ثلاثة أعوام، ثم يحصل على الحكم كنتاج طبيعي لكونه القوة الوحيدة على الأرض، والمؤسسة الوحيدة المتماسكة بعد عواصف الثلاث العجاف.

 من اعتزلوا المشاركة في الانتخابات الرئاسية من «إخوان»، أو تيارات معادية لحكم المؤسسة العسكرية من ليبراليين ويساريين، ليسوا هم خصوم السيسي المؤثرين، خصوم السيسي والجيش هو الدولة العميقة، التي نمت كدوائر مصالح اقتصادية خلال العقدين السابقين. وهنا ربما نجد لتفسير تمديد الانتخابات خدشاً في صدقيتها، وكذلك ما بدأ يظهر في صحف معارضة قبيل إعلان نتائج انتخابات الرئاسة، عبر إظهار آراء تقول إن حكم السيسي هو عودة لحكم العسكر، وإظهار بعض الأوراق الانتخابية التي كُتبت عليها إساءات له، وهو ما يشير إلى أن الجيش والدولة العميقة ليسا متلازمي المسار.

 الدولة العميقة وشبكة رجال الأعمال ورجال الحزب الوطني خسروا كثيراً من حظوتهم ومصالحهم منذ يناير ٢٠١١، وذهبت كلها بامتياز إلى الجيش، الذي تحصل – ولاسيما خلال العام الأخير – على العديد من المشاريع الاقتصادية، ومن ثم ستقاتل الدولة العميقة من أجل المصالح المسلوبة، فيما يشبه تحرك الناصريين ضد السادات في بداية حكمه، إلا أن السيسي لا يملك ضربهم بالإخوان كما فعل السادات.

صحيفة الحياة

http://alhayat.com/Opinion/Abdulrahmaan-Al-Toriri/2719996/

الأثنين 2 يونيه 2014


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *