من الطبيعي أن يشارك فارسيي الهوى مع إخوانيي الحراك مجتمعين في حملة شعواء على دار مدارك للنشر ، إثر نشر دار مدارك لكتاب “السعودية والمشهد الإستراتيجي الجديد”، للكاتب الإسرائيلي جاشوا تتلبام، الأستاذ في جامعة بار-إيلان، ومستشار لدراسات الشرق الأوسط في جامعة تل أبيب.
ما يجمع بين الإخوان والصفويين أمر قديم ، قَدم نهر حسن البنا لتلاميذه عن إنتقاد المذهب الشيعي في مجلسه ، مرورا بعرض رئاسة حزب الإخوان فرع العراق على المعمم طالب الرفاعي في العام 1960 ،وما تلا ذلك من ترحيب إخواني حار بالثورة الخمينية في إيران.
وقد كان ملفتا إبان غزو العراق، تغطية قناة الجزيرة من سطح البوارج الأمريكية ، تزامناً مع بث يميني متطرف عبر بث أشرطة أسامة بن لادن، وهذا ربما نفهمه اليوم عبر مكتب طالبان في الدوحه، والعلاقات المريبة بين الدوحه وأعداء الثورة السورية القاعديين من النصرة وداعش.
وقد مثل خطاب الجزيرة “في قطر” ثنائية تناقض شجب الإمبريالية والتطبيع مع الغرب، على بعد أمتار من القواعد الأمريكية ومن مكتب التمثيل التجاري الإسرائيلي، بالرغم من أن قطر هي الدولة العربية الوحيدة التي طبعت علاقاتها مع إسرائيل ، دون أن تكون دوله مواجهة على حدود العدو الصهيوني، بل وليس لديها أي مواطنين يهود بين ظهرانيها، إلا بالتجنيس ربما كما حدث مع القرضاوي وإخوانه.
حين بدأ بث قناة الجزيرة “من قطر”، لم يكن طرق مواضيع لم تكن مطروقة من قبل إلا العسل، ولم يكن الصراخ إلا ترويجا لذاك العسل ، في حين كان السم عبر تطبيع مع إسرائيل ، وشرعنه الإرهاب سم أيضا ، حيث ولج المسئولين الإسرائيليين و إرهابي القاعدة إلى البيوت العربية ، بمباركة من ” الرأي .. والرأي الآخر”.
وكان يغيب عن شاشة الجزيرة كل مظاهر التطبيع الفعلي، مثل زيارة وزير التربية الإسرائيلي للدوحه في فبراير 2005، منح قطر هبة لفريق كرة قدم إسرائيلي بقيمة 10 ملايين دولار في أغسطس من العام نفسه، بل وتقديم معونه مالية قطرية لإسرائيل لبناء إستاذ رياضي في مدينة سخين، ناهيك عن اللقاءات المتكررة بين مسئولي البلدين.
التطبيع مع إسرائيل وتناقض المواقف كان أيضا إخوانيا بإمتياز، فالرئيس المعزول محمد مرسي والذي خاطب شيمون بيريز في خطابه الشهير بعبارة ” عزيزي وصديقي العظيم”، وذيله ب”صديقك الوفي محمد مرسي”، والحق يقال فقد كان الوفاء جليا خلال عام من حكم الإخوان، حيث لم يمس أنبوب تصدير الغاز لإسرائيل بأذي، حيث الأداء في الحكم يختلف عن مرحلة المعارضه التي تملأها الشعارات، مثلما كنا نشاهد مرسي والكتاتني وباقي الجوقة يقفون في مظاهرات شجب وتنديد ضد إسرائيل في 2010.
بعيدا عن جنسية مؤلف الكتاب، فأهم ما يطرحه الكتاب هو القول بأن إيران عدو السعودية الأول، و هذا يفسر حنق البعض تجاه الكتاب من لدن عرابي التطبيع مع عدونا الآخر إيران، وهل ننسى أن مرسي أول رئيس مصري يزور طهران منذ عهد الشاة، ولا ننسى شارة النصر من الرئيس أحمدي نجاد خلال زيارته للقاهرة وجلوسه إلى جوار الشيخ أحمد الطيب.
التطبيع الثقافي أمر قديم قدم الصراع العربي الإسرائيلي، قبله البعض مثل الروائي المغربي محمد شكري الذي ترجم “الخبز الحافي” للعبرية، وكثيرون رفضوا عروضا من دار الأندلس لترجمة كتبهم للعبرية، وهي الدار التي تملكها “ياعيل ليرر” مساعدة عزمي بشارة عضو الكنيست، و عراب الربيع الإسرائيلي من ميدان الجزيرة.
ستبقى ترجمة المنتوج الثقافي تطبيعا أم لا هو جدل لن ينتهي، والمشكلة الحقيقية هي محاولة إعادة إستنهاض الوهم، وإعادة تجريف الوعي العربي للعودة لمرحلة ما قبل ربيع “سقوط الأقنعة”، وحتى لا نقع في الوهم مجددا ونركض خلف شعارات العلن “الإسلام هو الحل”، وتصرفات السر التي تنتهج ” الإستسلام هو الحل”، وبالتالي لكي يكون خطابك المعادي للتطبيع مقنعا، تحتاج ببساطة أن تتصرف مع إسرائيل كعدو في السر أيضا.
نشر في موقع
الأثنين 12 مايو 2014
اترك تعليقاً