تعاني السعودية من فايرس كورونا منذ اكتشافه قبل عامين، وقد ازدادت وتيرة القلق أخيراً مع ازدياد حالات الإصابة والوفاة، وهو ما أدى إلى إقالة وزير الصحة وتكليف وزير العمل بإدارة الوزارة، وبدأ التعامل مع كورونا بمنهج إدارة الأزمات في شكل أكبر.
وقد شهدت المنطقة والعالم أزمات عدة مشابهة، خلال الأعوام الأخيرة، من جنون البقر إلى إنفلوزتي الطيور والخنازير، إضافة إلى حمى الوادي المتصدع، وفي كل الأزمات السابقة استدعت السيطرة على المرض إجراءات وقائية، أهمها الابتعاد عن الحيوان الذي يسهم في انتشار الفايرس، وهو الإبل على الأرجح في حالة كورونا.
وقد كان أكثر ما يعيب إدارة الوزير السابق، هو انعدام الشفافية والجدية في التعاطي مع كورونا، في مجتمع إذا غابت فيه المعلومة الرسمية، أصبحت إشاعات «تويتر» هي المصدر المصدق عند الكثيرين، ولاسيما المرحلة الثانية من توثيق الإشاعة، التي عادة ما تكون عبر أشخاص يتصدرون المجالس، يملكون ثقة الطبيب ومعلومات الوزير، والكورونا من معلوماتهم براء.
هذا الأمر – ولاسيما قبل تولي الوزير المكلف – أشغل الناس بمعلومات متضاربة، فهم لا يعرفون، آلإبل هي المسببة للفايرس أم الناقلة له أم لا؟ ولا يعرفون، وهم يرسلون فلذات أكبادهم كل يوم للمدرسة، مقدار الخطر الذي ينتظرهم، ولا كيف يحققون الحد الأدنى من الوقاية لهم، وقد جرى تحسن على التعاطي المعلوماتي حول «كورونا»، وإن كانت مناطقية أعضاء اللجنة الصحية التي ذكرها جاسر الحربش في برنامج «يا هلا»، تستحق الوقوف عندها في أزمة يواجهها وطن.
وعندما نهتم بوجود المعلومة فهدفنا تحقيق الوعي، من أجل الحد من أخطار المرض، لكن البُعد التأويلي في المجتمع لا يطمسه وجود المعلومة، ولاسيما عند مريدي بعض المغردين الأصوليين، فقد كتب أحدهم تغريدة نصها «عجائب الأوبئة، مع قرار ابتعاث الطالبات حل بنا أنفلونزا الخنازير ومع تنفيذ القرار انتهى المرض فجأة. وها هو كورونا يتوسل لرياضة الطالبات».
وإضافة إلى التقول على الله والادعاء بمعرفة الغيبيات، التي نهانا الله عنها في قوله تعالى: (قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله)[سورة النمل:65] ، لكن هذا النوع من الخطاب يسعى المغرد من خلاله إلى أن يمرر أجندته الرافضة لقرار ما يخص المرأة، ثم يستتفه العقول بربط الأوباء بالقرارات التي لا تعجبه، لأنه تيار يختصر كل مشكلات المجتمع في المرأة، وهو خطاب سمعناه كثيراً، ولاسيما من مشايخ التحريض مع بدء برنامج الابتعاث.
وللمصادفة، فالوزير فقيه واجه هذا البُعد التأويلي، وتعامل بعض المحتسبين على أنهم سعد بن أبي وقاص، رضي الله عنه، الذي كان مستجاب الدعوة، فحين التقى فقيه كوزير للعمل مع بعض المحتسبين، هددوه بالدعاء عليه بالسرطان، مدعين – والعياذ بالله – أنهم من دعوا على الوزير القصيبي، رحمة الله عليه، فأصابه السرطان حتى واتته المنية.
الواقعية تقول إن هذا الخطاب لا يمكن طمسه، وهو موجود حتى في أكثر المجتمعات وعياً وتقدميةً، ولكن من الواجب أحياناً إظهاره إلى السطح وتعريته، ولاسيما ناحية مجافاته للعقل والمنطق، وليت هؤلاء المغردين وشيوخهم احتسبوا الأجر عند الله ، ودعوا أن يحمي الله بلادنا من شر وباء كورونا، بدلاً من لغة خشبية تابعة لمدرسة: «لا تطلع الشارع فيأكلك الحرامي».
صحيفة الحياة
http://alhayat.com/Opinion/Abdulrahmaan-Al-Toriri/2151205
الاثنين 5 مايو 2014
اترك تعليقاً