عند العودة إلى الأعوام الأخيرة من حكم مبارك – في محاولة لقراءة المقدمات التي أدت إلى سقوطه غير المتوقع – نجد أن السمة البارزة للمرحلة كانت التنفيس، بشعار: «دعهم يقولوا ما يريدون ودعنا نفعل ما نريد»، عبر السماح لإعلاميين، مثل إبراهيم عيسى، يسبون شخص الرئيس مبارك آناء الليل وأطراف النهار. مما لا شك فيه أن الحريات ولاسيما الحرية الإعلامية، شهدت تقدماً كبيراً في حقبة مبارك مقارنة بسابقيه، لكن الحرية شهدت زهواً في فترة مبارك الرئاسية الأخيرة التي بدأت 2005، خصوصاً الفترة من 2008 – ظهور حركة كفاية-، مروراً بوقفات الإخوانية الاحتجاجية خلال حصار غزة 2010، وصولاً إلى اشتعال الثورة في 2011.

وقد أسهم في هذا السقف المرتفع أمران، أولهما: الضغوط الأميركية على النظام في ملف الحريات، وعبر الحركات التي ترعاها في مصر. ثانيهما: الذهنية الأمنية التي كانت تتعامل مع روايات علاء الأسواني ومقالات بلال فضل وغيرهما بطريقة متعالية، ولا ترى في الكلام الذي يقولونه أكثر من دردشة ليل يمحوها مشقة طلب الرزق بالنهار. اليوم نرى كيف أسهمت الشبكات الاجتماعية في إشعال فتيل الثورة، وهي بالفعل أشعلت الفتيل ثم غابت عن المشهد، وتبين أن أكثر ما ميز الصفحات المهمة في مصر هو الطابع الكوميدي الذي جلب آلاف المتابعين، قبل أن يتحول إلى سياسي حين دعت الحاجة، غير مغفلين الطبقة الاجتماعية التي بدأت الثورة إذ كانت عبارة عن شباب متطلع إلى وضع اقتصادي جيد، بعكس الطبقات المعدمة التي كان يرصدها الأمن ويخشاها.

هذه الأيام نشهد خروج مرشحين من سباق الرئاسة أمثال الفريق سامي عنان، رجاء المكافأة بمقعد رئيس الوزراء من لدن عمرو موسى، وغياب بدافع الرهبة من الملاحقة الأمنية من عبدالمنعم أبو الفتوح، وهذا الخروج وأمور أخرى لا تعد أكثر من خطوات لتعبيد الطريق لفوز المشير السيسي برئاسة الجمهورية، عبر خطوات يديرها الجيش بهامش خطأ يقارب الصفر. بعد فوز السيسي سيكون أكبر ظهير له هو مؤسسة الجيش الضخمة، ولا بد من أن المشاريع العديدة التي أوكلت إلى الجيش من الحكومة ستكون سبيلاً لرخاء اقتصادي في الجيش، بخلاف الأعوام الأخيرة من حكم مبارك التي همّش فيها الجيش كثيراً، ولم يشهد الضباط تحسناً معيشياً ملحوظاً خلال 22 عاماً، وهي فترة تولي المشير طنطاوي حقيبة الدفاع.

إذاً، لن يكون الجيش خطراً على السيسي بعد توليه الرئاسة، وسيكون التحدي الكبير هو الاقتصاد، ولهذا كان اقتصادياً أولُ خبر يظهر في صيغته كفقرة من برنامج السيسي الانتخابي، عبر إعلان الجيش عن تقديم أراضٍ مجانية للحكومة، ليُبنى عليها مليون مسكن بمنحة إماراتية، وإذا ما أضفنا إليها زيارة المشير الأخيرة إلى الإمارات فيبدو كذلك أن الخليجيين ما زالوا داعمين له، وليس صحيحاً أن الفريق أحمد شفيق مرشحهم المفضل.

كل ما سبق يعني أن السيسي حسم أمر حلفاء المستقبل، خصوصاً أن المنطقة أصبحت تشهد تحالفات واضحة وصارخة أحياناً، ومنها على سبيل المثال زيارة روحاني لعمان ثلاثة أيام تزامناً مع زيارة السيسي ونائب وزير الدفاع السعودي لأبوظبي. يبقى التحدي الحقيقي للمرحلة المقبلة في مصر، خصوصاً «لو فاجأنا السيسي وكسب الانتخابات»، كما قال ساخراً باسم يوسف، هو باسم يوسف نفسه الذي برز أثره كبيراً في خلق صورة ذهنية عند المشاهد المصري عن مرسي، تجعلك بالتأكيد لا تحترمه ولا تعتقد بأهليته، أيتحملونه ويتحملون غيره، ولا يعدون الكوميديا خطراً سياسياً ومجرد تنفيس أم أن مصر ستعود إلى كتب التاريخ، وأسوأُها بالتأكيد كتاب عبدالناصر، خصوصاً ما جاء في باب الحريات؟

 

 

صحيفة الحياة

الاثنين 17 مارس 2014

http://alhayat.com/Opinion/Abdulrahmaan-Al-Toriri/1159956

 


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *