بين مفاجأة الحدث وكثرة التسريبات عن احتقان متصاعد بين السعودية ودول عدة من جهة، وبين قطر من جهة أخرى، سحبت السعودية والإمارات والبحرين سفراءها لدى الدوحة، وتلتهم الشقيقة الكبرى مصر بيوم وسحبت سفيرها الذي كانت استدعته من قبلُ للتشاور، وزادت على ذلك بفرض تأشيرات على القطريين. بيان الدول الثلاث كان مقتضباً ومُفسراً بين ثناياه لإرهاصات القرار، فالحرص على تأكيد أن قطر دولة شقيقة، وعلى تمسك دول الخليج بالروابط الدينية والتاريخية التي تربط دول المجلس دليل أن الدول الثلاث والكويت بالطبع بذلت كل ما في وسعها، وأن القرار أتى بعد استنفاد كل السبل الممكنة لثني قطر عن نهجها. كما أتى البيان ليشير إلى الموطن الرئيس للخلاف، وهو تدخل قطر في الشؤون الداخلية للدول الثلاث، وهذا التوضيح مهم لتلافي الرماد الذي ذره الإعلام القطري في العيون، في حصر أسباب القرار في الاختلاف حول الملف المصري، وبعضهم نهج تحليلاً شيفونياً يرى أن سبب الغضب من قطر رفضها التبعية للمملكة. إن التفسيرين مجافيان للمنطق، فالخلاف حول الموضوع المصري قديم، والمصريون مضوا في طريقهم ولن يعودوا عنه مهما أنفقت قطر، ودستورهم أُنجز وانتخابات الرئاسة على الأبواب، وصنع المصريون خياراتهم بسحب السفير من تركيا وتوثيق العلاقات مع روسيا، واختلاف الخليجيين مع قطر حول مصر لا يمكن أن يؤدي إلى القطيعة، كما لم يؤدِّ الخلاف مع عمان حول الاتحاد الخليجي، وشقه الأمني المعني بالتصدي للتهديدات الإيرانية لم يصل إلى قطيعة مع عمان. أما موضوع رفض التبعية القطرية للمملكة فليس أكثر من خطاب للداخل القطري الذي سيضجر – لا شك – من سحب السفراء، ومن التبعات المتوقعة للقرار، إذ سيكون ضررها أكبر بالقطريين، خصوصاً إغلاق المعبر البري الوحيد لقطر. وأما الأسباب التي دعت السعودية والإمارات والبحرين إلى سحب سفرائها فيتضح من البيان أنه بسبب تدخل قطر في الشؤون الداخلية للدول، وهو ما حصل عبر الدعم المادي واللوجستي في الدول الثلاث والكويت، كما أن النظام في قطر استضاف عناصر من المعارضة البحرينية والإماراتية، ناهيك عن توجيه القرضاوي وبعض أبواق الجزيرة، للنيل من الإمارات والبحرين والسعودية. موضوعَا قناة «الجزيرة» والقرضاوي كانا من مواضيع الاتفاق الذي تم في الرياض في ٢٣ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٣، وبعيداً عن الحنث بالاتفاق زادت «الجزيرة» من تصعيدها ضد السعودية، وهاجم القرضاوي الإمارات مرتين متتاليتين على شاشة التلفزيون القطري الرسمي. الكويت – بزعيمها الديبلوماسي العتيق الشيخ صباح – حاولت كل ما في وسعها لرأب الصدع مع قطر وثنيها عن السير عكس التيار، وهو استمرار الخليجيين في التقارب مع قطر الذي سارت فيه السعودية منذ ٢٠٠٧ وفتحت صفحة جديدة في علاقاتها مع قطر، وسمحت بفتح مكتب للجزيرة في السعودية، على رغم علاقات قطر – الإسرائيلية والإيرانية، وتقويضها لمصالح أشقائها منذ ذلك الحين بدعم نظام بشار وحزب الله في لبنان. الإجراءات الجريئة الصادرة أخيراً التي كانت مفاجئة لبعضهم أتت دليلاً على نفاد الصبر، فالسعودية تحديداً أرادت القول للقطريين: «ما دون الحلق إلا اليدين» كما في الدارجة الخليجية، وهذا حصل بعد تصرفات قطر في الملفات التي ذُكرت، وحصل كثيراً في الملف السوري. ففي الملف السوري تحديداً عملت قطر لكل ما فيه مصلحة بشار، عبر دعم فصائل القاعدة داعش والنصرة، وهو ما أثر في الحسم في سورية، كما أن هذا الوضع خدم أميركا عبر إبقاء الواقع على الأرض السورية لا غالب ولا مغلوب، وهي مصلحة إسرائيلية أيضاً، إذ أكدت لنا أن «القاعدة» لم ولن تكون عدواً لإسرائيل، وإلا لقصفت تلك التنظيمات، كما فعلت مع قوافل الصواريخ التي ينقلها حزب الله إلى لبنان، وهو ما يدفع بالموضوع القطري إلى ملفات أوباما في زيارته للرياض.

 

جريدة الحياة

الاثنين 10 مارس 2014

http://alhayat.com/Opinion/Abdulrahmaan-Al-Toriri/1003892


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *