لا بد أن يتغير مسمى حقيبة الوزارة التي يحملها وليد المعلم، لتكون وزارة الخارجية والمغررين، بدلاً من وزارة الخارجية وشؤون المغتربين، فهذا الوزير العتيق الذي دلف أبواب وزارة الخارجية قبل خمسة عقود، يستحق عبر خطبته العصماء في «جنيف٢» هذا التعديل في مسمى الحقيبة الوزارية.

فالوزير المعلم الذي التحق بوزارة الخارجية السورية في ١٩٦٤، استطاع عبر خطبته التي تجاوزت ٣٤ دقيقة أن يسب تقريباً كل الدول التي عمل ضمن البعثات الديبلوماسية فيها، على رغم أن الوقت المحدد لكل متحدث من المفترض ألا يتجاوز 8 دقائق، ولكن لا بأس، فعدم الالتزام واللعب بالمواعيد عادة عتيقة لنظام الأسد.

بدأ الوزير المعلم بانتقاد السعودية، باعتبارها رأس الحربة في دعم المعارضة السورية، وكان الوزير موتوراً في نقده للسعودية بالذات، على اعتبار أن الأنين على قدر الألم، إذ بدأ يأس المعلم من توقف السعودية عن مساعيها الحثيثة لحماية السوريين من آلة البطش الأسدية.

الضيق من السعودية بدأ سببه الخفي هو نجاح الجهود الديبلوماسية في منع حضور إيران لـ«جنيف٢»، وهو ما جعل الوزير المعلم يبدو كمن حضر من دون ولي أمره، أما السبب الظاهر فهو الدعم السعودي المادي والسياسي للمعارضة السورية.

فاستقدم من مذياع حافظ الأسد عبارات العروبة، وجلب بعض الشتائم للسعودية من أيام الأبيض والأسود، من شاكلة الوهابية والمضحك إلحاقها بأنهم يمثلون الإسلام المعتدل، وربما الإسلام المعتل في نظره هو ركوع الناس لصور الأسد.

لكنه عاد ليجبن في بعض زوايا الخطاب من باب الإبقاء على خط رجعة مع السعودية عبر إيراد عبارات من شاكلة «يفترض أنهم أشقاء»، وهذا مؤشر على خبرته القديمة في الخارجية، ومعرفته أن السعوديين لطالما ترفعوا عن السباب وغفروا متى ما استدعت ذلك المصلحة العربية، وليس آخرها محاولة الإصلاح التي قادها خادم الحرمين الشريفين في ٢٠٠٨، حين زار دمشق واصطحب بشار بالطائرة إلى بيروت، ويذكر المتابعون موشحات السب التي طاولت السعودية قبلها.

وأما قمة الكوميديا فكانت حين وجه كلامه إلى وزير الخارجية الأميركي كيري، بما يشبه التهديد قائلاً، بأنه لا أحد يفرض على السوريين شيئاً إلا بإرادتهم، وحينها ذكرت دعابة الفأر المخمور الذي يتوعد الوحوش بأن شخصاً ما سيُضرب.

في كلامه الذي وجهه إلى كيري، هدد مرة وتملق مرتين، وكان التملق ومحاولة الإيهام عبر الربط بين تفجيرات نيويورك وتفجيرات سورية، لكنه نسي أن يخبرنا من الطرف الوحيد الذي يملك الطائرات، ويقذف السوريين العزل كل يوم، تماماً كما تجاهل وزير الإعلام سؤالاً صحافياً عن من يستخدم البراميل المتفجرة والذي كرره ١٦ مرة، لكن وزير الإعلام معذور، فلربما نسي اللغة العربية من كثرة ما يتلقى من خطابات بالفارسية.

واستمر التغرير عبر ربط غير منطقي بأن ما يراد لسورية هو تطبيق لمنهاج سيد قطب ومحمد عبدالوهاب، وهما منهجان لا صلة بينهما إلا في ذهن من لا يعرف عن المدارس والحركات الإسلامية شيئاً.

لم ينس الوزير المعلم أصدقاءه في تل أبيب، والذين عمل معهم في مفاوضات السلام السورية الإسرائيلية بين ١٩٩٠ و١٩٩٩، إذ أراد استعطافهم عبر تسمية ما يحدث في سورية بالمحرقة الحقيقية، أملاً في أن ينال منهم دعماً في ثني أميركا عن كل ما من شأنه عزل بشار.

ختاماً، قد تصدق كل ما يقوله وزير الخارجية والمغررين، إذا تأثرت بعبارات محاربة الإرهاب وحماية الأقليات بمعزل عن الواقع، لأنه وكما قال الكاتب الألماني غابريل لاوب: «أخطر من نظرية خاطئة هــي الـــنظرية الـــصحيحة في اليد الخطأ».

 

صحيفة الحياة

http://alhayat.com/OpinionsDetails/596846

الاثنين 27 يناير 2014


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *