القطار كوسيلة مواصلات يتميز بأنه يسير على المسار نفسه، وهو ملتزم أكثر من السيارات والسفن والطائرات بهذا المسار، بعد انتهاء التصويت على دستور مصر ٢٠١٤ وجدت أن القطار هو أنسب وصف للحال السياسية – المصرية.
ففي حكم مبارك ثم مرسي وصولاً إلى النظام الحالي، جميعهم كانوا يقودون مصر كما يُقاد القطار سيراً على المسار نفسه من دون تغيير يذكر، كان الجميع يسعى إلى تلوين الزجاج كما يريد، حتى يشاهد الركاب المشهد الخارجي كما يريدون، ولكن الزجاج الأخضر لا يعني أن جانبي الطريق مليء بالأشجار.
في النظام الحالي قرر قائد القطار عزل عربة من القطار، وهي عربة الإخوان، ثم أضاف إليها عربة ٦ نيسان (أبريل) وبعض الأصوات الثورية، بعد أن رفع صوت التسجيل الموجود في عربتهم، ليسمع الركاب ما اقتصته قمرة القيادة في القطار، وأوصد الباب على الكثير من الركاب لمنعهم من السفر خارج القطار، وكان أبرزهم عمرو حمزاوي وعبدالرحمن يوسف القرضاوي.
أما ركاب عربة الإخوان فبدؤوا يلقون بالحجارة على القطار بعد إنزالهم منه، محاولين إيقاف القطار لمنعه من المضي في خريطة الطريق، معتقدين أن الحجارة التي رموا بها تمرد حين كانوا في قمرة القيادة، وهي السبيل لإيقاف القطار، استنساخاً من 30/6، وكما صنعوا في 28 كانون الثاني (يناير) 2011، ولكن القطار دهس البعض وظل القطار في مساره حتى اللحظة، مع أن عنف الإخوان حقق بعض الضرر بالطبع.
الاعتقاد أن القطار لن يسير من دون فصل إحدى عرباته، قام به الإخوان أنفسهم كما كانوا ضحيته عبر قضية شفيق التي تلت تولي مرسي مباشرة، وقبله قانون العزل الذي أعده نواب الإخوان في البرلمان المنحل، وحتى هذا البرلمان في قانونه الانتخابي. مارس الإخوان ضغوطاً على المجلس العسكري لتقليل نسبة الانتخابات بالنظام الفردي في مقابل القوائم «الحزبية»، حتى تكون الحظوة في البرلمان لأحزاب ما بعد ٢٥ كانون الثاني (يناير) على حساب الأفراد النافذين والمحسوبين في شكل أو آخر على الحزب الوطني المنحل.
وعلى سيرة حل الأحزاب، فقد كان نهج المتعاقبين على القطار «كلما جاءت أمة لعنت أختها»، فمبارك يمنع الإخوان من تشكيل حزب أو الاعتراف بالجماعة كجمعية أهلية، ثم يسعى الإخوان إلى حرمان كل من مر بجوار الحزب الوطني من الحياة السياسية، ثم تأتي الحكومة الحالية لتعتبر جماعة الإخوان منظمة إرهابية. أكتب المقالة قبيل خروج نتيجة الاستفتاء على الدستور، والتطبيل من طرف وتهم التزوير من الطرف الآخر، ستظل أيضاً سمة الطرح الإعلامي بحسب موقفك من الراعي الرسمي للدستور لعبة الأرقام، وستظل هي وسيلة كل طرف سياسي لمنح شرعية الاستحقاقات الانتخابية، ولمخاطبة الغرب الموجود دائماً في ذهن السياسي. استفتاء دستور 2012 شارك فيه 17 مليوناً، قال منهم 62 في المئة: «نعم»، ونسبة المشاركة هو الرقم الرئيس الذي يرغب النظام الحالي في تجاوزه، أما التصويت بالإيجاب فلن يقل عن 90 في المئة، لأن رافضي الدستور لم يذهب جلهم.
الفريق السيسي وحده من يملك تغيير الذهنية الموجودة داخل القطار عبر رفضه الترشح للرئاسة، لأن ترشحه للرئاسة والذي تدعمه الملايين يأس من النخبة السياسية، سيمثل وأد ثورة 52 لكل ما حصل في الأعوام الثلاثة الماضية، سمه ما شئت.
مشكلة قطار مصر هو من أين يأتي بالفحم ليسير القطار؟ معضلة أي رئيس قادم «اقتصادية» في شكل رئيس، والخلاف السياسي لا يتعدى كونه صراع المصالح والمميزات، وإن بدأ على السطح أنه خلاف آيديولوجي أو خلاف في الرؤية السياسية، فهذا لا يتعدى كونه ما يطلبه المستمعون في مذياع القطار.
صحيفة الحياة
http://alhayat.com/OpinionsDetails/594633
الاثنين 20 يناير 2014
اترك تعليقاً