في حكم الديكتاتوريين تستطيع أن تنام من دون أن تخشى شيئاً عدا همهماتك في الليل، خصوصاً إذا لم تكن تسبيحاً بحمده، في حكم الديكتاتوريين تستطيع أن تجد طعامك كل يوم، ما دمت تبدأها باسمه، لا تخشى نقاط التفتيش، ما دمت ترفق أوراقك الثبوتية بما تجود به نفسك.

لا بد أن هذه الذكريات القميئة تمر في ذهن بعض المواطنين والمراقبين لدول الربيع التي تساقطت أنظمتها أو رؤوس أنظمتها، في ليبيا واليمن وتونس وقبلهم العراق، بل حتى السوريين، لا بد أن كثيراً منهم يتذكر ما قبل الربيع بشيء من الحنين، في سورية التسعينات كان بإمكانك الحديث عن أي شيء تريده حتى المجاهرة بالإلحاد، على أن تتجنب السياسة ولا تخوض في شؤون تخص الأسد وحده.

تسمع هذا الحديث بالهمس والتصريح في كل الدول التي سقط منها الديكتاتوريون، وهذه عادة آراء المواطن البسيط الذي لا يشغله سوى قوت يومه، وأن ينام قرير العين لا يخشى على أبنائه، هذا المواطن هو غالب الشعب،الذي لم يشغل نفسه بالسياسة حين كانت محرمة، حتى يشغل نفسه بها عندما غدت رفاهية.

إذا عدنا قليلاً لوصول الحكام الذين أتوا على دبابات، سنجد أن إسقاطها للأنظمة التي سبقتها، لم يستهلك الكثير من الدماء أو الخراب كما يحصل في تغييرات الربيع العربي، سلمية الأنظمة الحاكمة وكون النظام الجديد الانقلابي هو القوة العسكرية للبلد، وبالتالي فالأنظمة التي سقطت لم يكن في عقيدتها العنف، وذلك يعود لمدنيتها في المقام الأول.

أنظمة الدبابات أسهم في نجاحها في شكل رئيس تكدس الأموال قبلها لدى زمرة من الإقطاعيين، ثم استخدامها للمفردات الرنانة من المساواة بين الشعب وتوزيع الأراضي، وهي مصطلحات من مدرسة اليسار في عز مجدها آنذاك، واستورد العرب مع اليسار الخطب الرنانة، وأشهر تطبيقاتها أحمد سعيد وصوته الأجش من القاهرة، كل تلك الأجواء أسهمت في استقرار الأنظمة الديكتاتورية من صدام إلى حافظ الأسد ومن عبدالناصر إلى القذافي.

ولكن هذه الأنظمة حين سقطت وقت الربيع لم يكن سقوطها يشبه سابقتها، أولاً لأن الأمن مرتبط بها لا مع الثورة، وبالتالي فجزء من الثورة هو ضد قمع الأمن، ولكن الثورة حين ذهبت بقمع الأمن أخذت معه التنعم بالأمان، وجود الأجهزة الأمنية في صف النظام الزائل أسهم أيضاً في غياب الاستقرار، واحتمال أن يطول أمد هذا الغياب، لأن الأجواء العامة أسهمت في نشاط الخارجين على القانون، كما أن جزءاً من هيبة رجل الأمن سقط بسقوط الأنظمة العسكرية.

ولأن الأنظمة تخلت عن شعاراتها مع الوقت فلم تعد العدالة لديها إلا رسم الميزان على مباني المحاكم، وكانت تتعامل مع الاقتصاد بمبدأ «حتى لا يموت الذئب ولا تفنى الغنم»، وأبرز أمثلة ذلك ليبيا التي لم يكن بها مواطن فقير، حتى أننا لم نر أي مغترب ليبي في دولة عربية، ولكن ليبيا لم يكن بها أي مواطن غني كذلك.

الدولة الأمنية وشبكة الفساد المستشرية من أصغر موظف مرتشٍ إلى أكبر وزير، والإعلام المضلل والتعليم الأجوف وبالطبع الاقتصاد المبني على ما يسد الرمق، لأن ما يفيض عن الحاجات الأساسية للبلد يذهب إلى حسابات الزمرة في سويسرا، إبقاء حركات الإسلام السياسي كمعارضة وحيدة بإقصائيتها المعروفة، أدى إلى أن الأنظمة الديكتاتورية لم تسمح أبداً لما بعدها أن يكون دولة، ومن هنا نفهم ضيق الشعوب من طول أمد التغيير وغياب الأمن والأمل، وهو ما يرددونه بـ«رحم الله أيام الديكتاتور».

 

صحيفة الحياة

http://alhayat.com/OpinionsDetails/592159

الاثنين 12 يناير 2014

 


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *