خلال العامين الأخيرين شهدنا تزايداً مطرداً في أرقام المشاهدات عبر «كيك»، لدرجة تجاوزت الأرقامُ في السعودية أرقام دولة ضخمة كالولايات المتحدة الأميركية، وكانت هذه الظاهرة تكراراً لما حدث في «يوتيوب»، وفي «يوتيوب» تحديداً تزامناً مع زيادة المشاهدات ظهر محتوى سعودي غالبه كوميدي ساخر، كان نجومه من الشبان السعوديون الذين قفزوا إلى النجومية بسرعة الصاروخ، وكان معظمهم معروفاً في نطاق جمهور stand up comedy الكوميديا الخفيفة.
على رغم القفزات الكبيرة لهذة المنصات ونجومها، إلا أن الثقة في ديمومتها كانت منخفضة عند كثير من المتابعين، خصوصاً مع الهجرة العكسية لبعض نجوم «يوتيوب» إلى «التلفزيون»، وهو ما حدث سعوديا،ً لكن الأبرز هجرة باسم يوسف الذي لم يسبق نجوم السعودية، لكن ارتفاع السقف السياسي في مصر بعد 25 يناير جعله الأميز. عدم امتلاك «يوتيوب» أو «كييك» المقدرة على البقاء أو على أقل تقدير الحفاظ على الوهج ذاته وهو ما نراه عبر انخفاض أعداد المشاهدات عن ذي قبل، لا يعني أن «يوتيوب» ونجومه لم يحركوا كثيراً من المياه الراكدة، فهولاء النجوم غيّروا حتى في أجندات الإعلام المرئي التقليدي «التلفزيون»، ورفعوا السقف إلى الدرجة التي جعلت أي برنامج بسقف منخفض خارج عن المنافسة بالضرورة.
وبالطبع، فنقاش الإعلام القديم والجديد من ناحية التسمية أو من ناحية أن يلغي أحدهما الآخر استهلكت نقاشاً، لكن الجزء الذي يعنينا في نقاش الإعلام المرئي هو «التلفزيون» كممثل للإعلام التقليدي، فلا يبدو أنه مرشح للانقراض البتة، فما زال حجم الشاشة والمشاهدة المريحة، لا سيما عند المشاهدة لفترات طويلة، مثل مشاهدة فيلم أو مباراة كرة قدم تمنح شاشة «التلفزيون» ميزة عن شاشة الهاتف النقال.
قبل أيام أقيم في الرياض منتدى الإعلام المرئي الجديد «شوف»، بمبادرة من مؤسسة الأمير محمد بن سلمان «مسك» الخيرية، ناقش المنتدى مستقبل الإعلام الجديد في السعودية، وكان السؤال الرئيس الذي تناوله المتحدثون العشرون: ماذا بعد طفرة التواصل عبر الشبكات الاجتماعية؟ والحقيقة أن التواصل هو السر في بقاء وتطور أية وسيلة إعلامية أو أي برنامج. فالسبيل الذي يضمن نجاح أي برنامج غير كون محتواه مميزاً هو الصلة الوثيقة بين القائمين على البرنامج وجمهوره، فالحصول على ردود الفعل بطريقة مباشرة وقريبة من الدقة كما يحصل في «يوتيوب»، وقياس مدى رضا الجمهور أو سخطه أفضل طريقة لتصويب مسار أي برنامج، وبالنتيجة جلب المعلن وثقته بأن هذا هو المكان الأنسب لعرض منتجه.
وحين كان النقاش عن أخلاقيات المهنة في الإعلام حول الحيادية والصدقية، أضيف إليهما في فضاءات الإعلام الجديد المسؤولية لا سيما مع غياب الرقابة، وفي ما يخص مشاهير الإعلام الجديد فهم غالباً ملتزمون عبر رقيبهم الشخصي، ونادراً ما تم أي تجاوز في قيم دينية أو وطنية منهم، لكن ذلك لم يكن الحال من خلال المتابعين، فقلما تجد مقدم إعلام مرئي عبر «يوتيوب» أو «كييك» أو مغرداً في «تويتر»، إلا والسب والشتم وربما الإخراج من الملة هي جرعة يتلقاها دورياً.
وكثيراً ما يعتمد المسيء على الهويات الزائفة التي تشتهر في «تويتر» بالبيض، وعلى ضعف تفعيل قانون رادع للمسيئين على رغم وجود القانون قد يكون الإشكال تقنياً في بعضه، لكنه بيروقراطياً في جله، فليست واضحة آلية الملاحقة والمسؤولية بين هيئتي الادعاء والاتصالات، وكذلك بين شركات الاتصالات ومطوري البرامج كـ«يوتيوب»، توحيد الجهة المسؤولة في تنظيم هذا الفضاء وصرامة العقوبات هو السبيل الأمثل لبقاء وهج الإعلام الجديد وعدم تحوله إلى منفر لمن لا يتحملون الإساءات الحاصله اليوم.
صحيفة الحياة
http://alhayat.com/OpinionsDetails/568282
الإثنين 4 نوفمبر 2013
اترك تعليقاً