كثير من الخلافات الثقافية، إذا صح التعبير، في المجتمع السعودي تدور في كنف المرأة، من درس المرأة في الستينات الميلادية التي واكبها اعتراض ثم تزاحم من المجتمع، ثم قضايا عمل المرأة لا سيما عملها كاشيرة في محال المستلزمات النسائية، وكلها مواضيع كالعادة تحظى بمؤيدين ومعارضين.

وتبقى «أم المعارك» قيادة المرأة السيارة، المعركة الإعلامية التي استمرت لثلاثة عقود من دون انفراجه في البلد الوحيد في العالم تقريباً الذي تمنع فيه المرأة من القيادة، في خلال هذه الأعوام جيشت جميع المنابر لدعم توجه في القضية، فقد تناولتها خطب الجمعة وأشرطة الكاسيت والصحف، وصولاً إلى الشبكات الاجتماعية، خصوصاً في حملة القيادة المقبلة في ٢٦ تشرين الأول (أكتوبر)، وتلك التي سبقتها في ٢٠١١، وكانت نجمتها «منال شريف».

النساء يقدن في جميع دول العالم بل وفي دول الجوار الخليجية ذات الهوية والدين التي تطابقنا، من دون أن تصاب النساء بمشكلات في الحوض أو الأرحام، كما وأن أبناء عمومتنا في دول الخليج لم يتحولوا إلى ذئاب تنهش النساء اللواتي يقدن المركبات، مع أن التضاد الصارخ هو القبول بركوب المرأة مع سائق أجرة أجنبي، واستنكار قيادتها سيارتها منفردة.

عادة القضايا حين يكثر طرحها في الإعلام، يتحول هذا الطرح إلى استهلاك فج، لا يفيد القضية، ولا يعود بالنفع على أطراف النزاع، بل يخرج القضية من مضمونها، ويدفع بالضرورة أطراف النزاع إلى شخصنة الخلاف، وبالتالي الإساءة إلى ذائقة المتلقي المحايد.

لو وفرنا الجهد المادي والنفسي الذي نبذله في مواضيع محورها المرأة، وأخذنا هدنة، وبذلنا ذات الجهد في مواضيع تختص بالتنمية وتطوير المجتمع ورفعته، لكان الأثر كبيراً، وذلك لكثرة ما نبذل من جهد في مواضيع المرأة التي في نهاية الأمر يكون حسمها بقرار «سياسي».

موضوع قيادة المرأة هو حق لكل امرأة، تحتاجه بعض النساء لظروف عائلية ومعيشية، وقد تزهد به أخريات لديهن ظروف أفضل، كما قد يزهد به بعض الرجال كذلك، وبالتالي، هو حق لمن أراده لا يُلزم به أحد، ولا يجب أن يمنعه من لا يحتاجه عن من يضطر إليه.

ومن نافلة القول أن الحقوق لا تُجزأ، كما يسعى خالطو الأولويات عبر رفض قيادة المرأة، بذريعة أن للمرأة حقوقاً أولية، وأن قيادتها أمر ثانوي مضاره أكثر من منافعه، وأن تحقيقه «ترف»، مقارنة بحقوق الحضانة وحقوق المطلقات وخلافه، على رغم أن المرأة السعودية قدمت نماذج رائعة علمية وعملية، وما زلنا نشك في قدرتها على قيادة السيارة.

يوم ٢٦ تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، حملة أخرى لمحاولة حصول المرأة على حقها في القيادة، والسيناريو المرشح أن يستمر التراشق الكلامي حول الموضوع، ويذهب بعض المريدين والرافضين للغلو في الخصومة، ويبدو هناك توجه لسحب أي فتيل احتقان متوقع، عبر تصريح الهيئة بعدم اعتراضها أية مركبة تقودها امرأة، وهذا التصريح سبق حادثة اليوم الوطني «سيئة الذكر».

على أرض الواقع لا المبادرة ولا رفضها سيكونان الفيصل في قيادتها، وسيبقى تحقيق هذا الأمر مرهون بقرار «سياسي»، هذا القرار سيمنحه الصبغة النظامية التصويت عليه في مجلس الشورى، والتصويت الشعبي عليه سيمنحه صبغة شعبية، تضع حداً فاصلاً بالرفض أو القبول.

ختاماً، يجب طرح اليأس جانباً بعد فشل أية مبادرة بالحصول على الحقوق دوماً بمعركة ذات صولات وجولات، وأشقاؤنا في الكويت أصحاب التجربة الديموقراطية الأعرق خليجياً لم يحصلوا على حق المرأة في الترشح لمجلس الأمة «البرلمان الكويتي» إلا بعد عامين من الكر والفر، المهم أن يبقى قبل كل المطالب «الوطن» والوطن فقط أولاً.

 

صحيفة الحياة

http://alhayat.com/OpinionsDetails/559336

7 أكتوبر 2013


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *