بلنتي يا أوباما

أكثر من ثلاثة أسابيع مرت على قصف بشار الأسد لغوطتي دمشق بالكيماوي، وتدرج رد الفعل الغربي من الصدمة، ثم الوعيد بضربة عقابية محدودة أو ضربه تخل موازين القوى لصالح الجيش الحر، ثم طلب أوباما من الكونجرس التصويت على الضربة من باب توزيع الدم بين القبائل، حتى تفضل الروس مشكورين بإخراج أوباما من هذا المأزق عبر فكرة تسليم السلاح الكيماوي من قبل نظام بشار للأمريكان.

أوباما لا شك سعيد بأن أوجد له الروس هذا الشيطان المسمى تسليم الكيماوي، ليحشره في تفاصيل المأساة الروسية، بعد مماحكات سياسية من الأمريكان بعد أن أوقعهم بشار في مأزق تجاوز الخط الأحمر، الذي وضعه أوباما وكسره بشار بعد عام واحد، ولم يدرك أن الأمريكان سمحوا له بالقتل بما شاء ما عدا الكيماوي.

اليوم تدرك الإدارة الأمريكية أن توجيه ضربه لسوريا أمرا ليس ذو شعبيه، وأن مبادرة روسيا بتسليم الكيماوي فرجه ترفع الحرج عن حكومة أوباما، لكنهم يدركون على نفس الصعيد أنه ما كان لسوريا أن توافق على تسليم الكيماوي، ولا على روسيا لتتبنى هذة المبادرة، لولا الاستشعار بجدية نوايا الضربة.

المواطن الأمريكي لا زال يحمل في مخيلته حرب العراق وأفغانستان، والخسائر البشرية والمادية التي أصابت الولايات المتحدة، وحتى حرب العراق فالذي دفع الأمريكان لتأييدها هو ضربات الحادي عشر من سبتمبر، وهو النقاش الذي شغل المجتمع الأمريكي في الأسابيع الماضية، عبر سؤال: هل يجب أن تحارب أمريكا إذا تعرضت للخطر –كما في 11/9- ؟ وهل يستحق تهديد سمعه أمريكا خوض الحرب –عبر كسر الأسد للخط الأحمر الذي وضعه أوباما-؟

أهمية فهم الأجواء الأمريكية تأتي من طبيعة العالم القطبي الذي نعيشه، فتستطيع دول أقليمية ودولية دعم أي طرف في سوريا، ولكن يظل قرار ضربة أو تغيير النظام مقصورا بأمريكا وبعده بمراحل روسيا، ولكن دول كبيرة مثل فرنسا إختار العالم لها أن تكون دول كبرى من الفئة ب، تملك فيتو وتأثير عالمي، ولكن فرنسا لم تملك أن تتدخل في ليبيا ولا سوريا إلا حين أعطت أمريكا الضوء الأخضر، حين فسرت واشنطن في ليبيا قرار مجلس الأمن الخاص بحماية المدنيين الليبيين.

عودة إلى شيطان التفاصيل الخاصه بالكيماوي، فقد صرحت فرنسا رغبتها في مراقبة وتدمير السلاح الكيماوي حسب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهو ما يقضي بمحاسبة النظام السوري عسكريا إذا لم يستجب في الملف الكيماوي، وهو ما رفضته روسيا مع الاقتراح بالقيام بالمهمة تحت الفصل السادس، وهو ما يعني اللجوء للحلول السلمية والديبلوماسية متى ما أفشل النظام السوري تسليم الكيماوي، وإن كان لافروف عاد بعد
إجتماعه مع كيري في بوتين للفصل السابع، مما يدل أنه السيناريو المقبول أمريكيا أيضا.

كثير من الأطراف التي تناصر الشعب السوري في مأساته أحبطت من تراجع الأطراف الغربية عن الضربة، خصوصا وصور ضحايا الكيماوي لا زالت تمزق القلوب وساكنه في الأذهان، خصوصا والجميع رغم المجزرة تفاءل بعد الكيماوي أن تكون “جنت على نفسها براقش”، حتى أزلام النظام مثل وليد المعلم في موسكو الذي بدى باهتا خوفا من الضربة.

ختاما، تبدو الضربة العسكرية غير قريبة، ولكن التحركات الغربية تدل أنها أصبحت أقل تسامحا مع الأسد، وروسيا تبدو أقل تمسكا بالأسد، السعودية والإمارات ثم الأردن يقومون بجهد دبلوماسي مؤثر، يضغط لإسقاط الأسد وحقن دم السوريين، حتى ولو كان ذلك عبر جنيف 2، والجيد في الموضوع تزايد تأثير الدول العربية إقليميا، حيث لم تعد كأزمان مضت، كمن يشاهد الأحداث على الشاشات، وإذا ما تهور بشار قالت: بلنتي يا أوباما.

الموقع الشخصي

15 سبتمبر 2013


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *