كل المجهود الذي بذله بوش الأب حين كان رئيساً للCIA ذهب أدراج الرياح، كل مكاسبه خلال الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي توشك على النهاية، فأمريكا لم تعد القطب الأوحد وعلى أحسن تقدير اقتربت من خسارة هذه المكانة.
طبعا لا نغفل أن سقوط الاتحاد السوفييتي ساهم فيه بشكل رئيسي الفساد والبيروقراطية، وليس فشلا للشيوعية بالمطلق، كما أن تماسك أمريكا كان سببه دولة المؤسسات والإجراءات الديموقراطية والقانون، وليس نجاحا للرأسمالية بالنتيجة.
مشكلة أوباما أنه أتى للحكم في فترة الأزمة المالية، وبالتالي كان تركيزه على الشأن الداخلي وإنقاذ كبريات شركات السيارات، ولم يتوقع هذا التسارع الدراماتيكي لتساقط أنظمة الشرق الأوسط، ولا شك في نجاحه في تحسين كثير من الأوضاع الاقتصادية الداخلية، وإن كانت نتائجه دون ما وعد به في الفترة الأولى، ولكن ضعف المنافس كفل له الفوز بفترة رئاسية ثانية بسهولة كبيرة.
وعندما تكون قطب العالم الأوحد، فلن ينتظر منافسوك حتى تحسن من أوضاعك الداخلية، ثم تأتي بعدما تنتهي لتقوم بدورك الدولي، خصوصا إذا كان المنافس دبا روسيا مخالبه قويه، ويعيش حاليا أفضل فتراته الاقتصادية.
بوتين لم يجد أفضل من أوباما للإنتقام للمجد السوفييتي، فبوتين رجل المخابرات العتيق والذي لا يبتسم إلا نادرا، صاحب الكلام القليل والفعل الكثير، يعرف أن شخصية أوباما تصلح ليكون بطلا فقط في هوليوود، وربما أثقل عاهل أوباما حصوله على نوبل للسلام بعد عام من توليه الرئاسة، مما أفقد الجائزة وأوباما المصداقية معاً.
كانت سوريا ملعبا رئيساً لهذا الخلاف الروسي الأمريكي، بعد أخطاء في تونس ومصر وليبيا من الطرفين، روسيا يُحسب لها أنها كانت صاحبة موقف واضح من البداية، تدافع عن حليفها الأسد وتقدم له حق النقض ثلاث مرات في مجلس الأمن، وتجني نفوذا وصفقات أسلحه لا تنتهي، وهل هناك أنجح من تجارة الأزمات؟
روسيا حين زاد الضغط الإعلامي عليها عبر مناصرتها للمجرم الأسد، خرج لافروف ليحرج الجميع عبر قوله: مواقفنا لا تختلف عن الغرب في الغرف المغلقة، مما يعني أن أوروبا الغربية وأمريكا يتشدقون بالمبادئ على الميكروفونات، ولا يريدون حقيقة إسقاط الأسد، ولا يرون أي بديل مناسب على الأرض.
بعد الكيماوي تبدو القصة أكثر هزلية، أوباما كرئيس الذي يملك كل الصلاحيات لضرب سوريا، يبدو يلعن بشار ليل نهار لأنه استخدم الكيماوي وأحرجه، أوباما الذي يعيش نشوة أنه أول رئيس أسود يحكم أمريكا، وأن ذلك يدل على أن الأمريكان أمه راقيه، لا يريد أن يذكر التاريخ أنه أول رئيس ديموقراطي يخوض حربا.
أوباما بعد أن شاهد ما صنعه حزب العمل البريطاني في حليفه كاميرون، حيث صوت البرلمان ضد مشاركة بريطانيا في ضرب سوريا، قرر أوباما أن يذهب للتصويت أيضا أمام الكونجرس، الجمهوريون غضبوا لأنهم عرفوا أن أوباما ينوي إحراجهم، وكم تمنوا أن ينفذ الضربة دون الرجوع لهم حتى يجهزوا على الديموقراطيين انتخابيا في ٢٠١٤.
أوباما استوعب أن بوتين يلعب به عبر تصريحات ضد الكيماوي، ثم تحريك سفنه تارة من سوريا وأخرى إليها، وعليه ألغى لقاءة الثنائي مع بوتين على هامش قمة العشرين في سان بطرس برغ، بوتين إستمر في المراوغة عبر تصريحه بأن هناك صفقة صواريخ إس 300 ولكنهم تراجعوا عن تسليمها لبشار الأسد حاليا، وبالطبع تسليم الصواريخ معطل منذ عام بسبب اعتراضات إسرائيلية من نيتنياهو، والذي هدد بقصفها قبل وصولها لنظام الأسد.
في الفصل الأخير من تلاعب بوتين بأوباما، أعلن بوتين أنه مع ضربة للأسد متى ما صوت مجلس الأمن عليها، وهو طعم لو التقفه أوباما –ولا أظن ذلك-، سيكون المسمار الأخير في نعش سياسته الخارجية، وسيضمن رئيسا جمهوريا في الانتخابات الرئاسية القادمة، وسيحق لبوتين أن يفخر بتلاعبه بأمريكا عبر أوباما، الذي سيقفز درجات سلم الطائرة سريعا للعودة إلى البيت الأبيض، وإعلان فشله في الملف السوري، والذي ينوي كما قال وزير خارجيته للكونجرس توجيه ضربات لأهداف استراتيجية دون إسقاط نظام الأسد.
الموقع الشخصي
5 سبتمبر 2013
اترك تعليقاً