بعد فض اعتصامات «الإخوان المسلمون» في «رابعة العدوية» وميدان نهضة مصر، بدا وكأن العالم هب هبة واحدة ضد الدولة المصرية. قطر التي ما فتئت تقوم بدور وزير إعلام الإخوان منذ بدء الاعتصامات، زادت عليه دور وزير خارجية «الإخوان»، طوّافاً بين العواصم الغربية، محاولة للضغط على الجيش المصري، وتدويل الأزمة المصرية.

الأتراك كانوا أشد حدةً وتعنتاً مع الأزمة في مصر، ودفعوا للضغط على مصر أوروبياً، ولا سيما من لدن ألمانيا التي بها ما لا يقل عن ٥ ملايين تركي، أردوغان بشعار الأصابع الأربعة نسي أنه رئيس وزراء، ويتعامل مع نظام جديد في مصر، نظام خرج الملايين لدفعه للتغيير ثم لتأييده، وتعامله كما لو كان عضواً مجاهداً في أسرة إسطنبول – بحسب مسميات نظام الجماعة-.

المشترك بين القطريين والأتراك، عدا دعمهما لجماعة الإخوان في مصر أن كليهما تخليا عن سورية على فترتين متتاليتين، القطريون توقفوا قبل فترة عن دعم الجيش الحر، وما رافق ذلك من استقالة معاذ الخطيب الإخواني في مارس الماضي، ثم خلافته من أحمد الجربا في حزيران (يونيو) الماضي، وإذا عدنا قليلاً إلى الوراء، فتركيا تراخت أيضاً عن دعم ثورة ليبيا، قلقاً على استثماراتها في طرابلس. وبالطبع يستطيع المرء تفهم الدفاع عن حقوق الإنسان، وشرعية الصناديق وحق التظاهر السلمي من دول أوروبية تطبق ذلك، ولكن يصعب استيعاب الدفاع عن حقوق الاعتصام، ممن يصف معتصمي «تقسيم» بالرعاع ويفرقهم بالقوة، أو ممن يحسب مواطناً بتهمة قصيدة، بل حتى أميركا التي تريد ديموقراطية تأتي بالمالكي إذا فاز علاوي، ثم تبقي مرسي إذا خرج الشعب ضده كما فعل مع مبارك، شوهت صدقيتها المشوهة أصلاً منذ عرفنا الصراع مع إسرائيل، التي ذكرت السلام أخيراً لأسباب لا تتعدى خدمة الانتخابات الإسرائيلية المقبلة.

السعودية خرجت بتصريح من العاهل السعودي، في كلمة مقتضبة ومباشرة لا توصف بأقل من أنها بعثرت أوراق لاعبين عدة، جمعتهم الرغبة في إسقاط مصر، وبالطبع على رأسهم تركيا وبعض الدول الأوروبية، وتلا ذلك مؤتمر وزير الخارجية السعودي والرئيس الفرنسي، الذي منح المصريين فرصة لتطبيق خريطة الطريق، ثم إرسال ثلاثة مستشفيات ميدانية لمصر، والرسالة هنا أن دعم السعودية لمصر على المستوى السياسي والديبلوماسي والشعبي والدعم الاقتصادي سبق بالفعل.

لا شك أن العرب كظاهرة صوتية قد لا يفهمون بوضوح من يعمل في هدوء ويتكلم عند الضرورة، كما هي السياسية الخارجية السعودية، ولنعد بطريقة الفلاش باك لمواقف السعودية خلال العامين الماضيين، فالسعودية أول من تصدى لنظام بشار الأسد الدموي، وسحبت سفيرها من دمشق وسمت القتلى شهداء، ثم عادت الديبلوماسية السعودية للتنسيق مع لندن وباريس، إنقاذاً لسورية من السقوط بالكامل بعد سقوط القصير، والبارز هنا ليس هذا الموقف فحسب، ولكن العارف بالسياسة الناعمة يدرك أن من النادر أن يكون هناك خلاف كبير بين دولتين على موضوع ضخم مثل سورية، ويصاحب هذا الخلاف هذه الحكمة والهدوء الإعلامي، وهذا ما نراه بين موسكو والرياض.

أكبر تحدٍّ تجابهه الذهنية العربية هو خلط الديني بالسياسي، وهذا يجعل تقويمنا للأمور بحسب عناوين القصة لا محتواها، فإذا كان خلافاً سياسياً وربما تنازعاً على الحكم، ذهب بفريق سياسي إلى الاعتصام في مسجد الفتح «بسلمية»، ففضه هجوم على بيت من بيوت الله، وإذا كانوا في مسجد ابن تيمية في غزة، وكانوا أنصار الشيخ المقدسي، فحينها من حق حركة حماس اقتحام المسجد وقتل من فيه في آب (أغسطس) 2009، فذلك حفظ للأمن وليس انتهاكاً لحرمة المساجد.

يقال إن ألعاب تركيب الصور من أكثر الألعاب التي تسهم في رفع ذكاء الأطفال، ودائماً ما يحرص العديد من المُضللين إعلامياً بأخذ الصور منفصلة، ثم وضعها في سياق يناسب التوجه، وكما أن الأكل الرديء قد يذهب مرارته بعض البهار، فبعض من الشعارات الدينية والديموقراطية والحريات خير ما تُبهر به الصور المزيفة، وحتى يتم الفرز في زمن الفتن نحتاج إلى الكثير من ذكاء الكبار لتركيب الصورة.

 

صحيفة الحياة

http://alhayat.com/OpinionsDetails/543849

الخميس 22 أغسطس 2013


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *