سماء القاهرة ملبدة بالطائرات التي تحمل الوفود الأجنبية، والتي تقوم بجولات مكوكية بين مختلف الأطراف المصرية، بما في ذلك الرئيس المعزول محمد مرسي ونائب المرشد العام للإخوان المسلمين خيرت الشاطر، فقد زار مصر نائب وزير الخارجية الأميركي وليم بيرنز مرتين، وزارها أيضاً السناتور ماكين، إضافة إلى وفود أفريقية، وبالطبع محاولة أوروبية لوضع موطئ قدم عبر كاثرين أشتون.
وعوداً إلى الموقف الغربي والأميركي في شكل أوضح، فقد بدا واضحاً أن الموقف مما حصل في مصر لم يتشكل على الأقل في العشرة أيام التالية لـ3 يوليو، وتحاشى الأميركان تحديداً تسمية ما حدث انقلاباً، وهذا في شكل رئيس حتى لا يبدو التغيير في الموقف الداعم للإخوان فجاً، خصوصاً بعدما أصبح المطلب الرئيس المرفوع من معتصمي رابعة العدوية، وهو عودة الرئيس مرسي لسدة الحكم، أمراً تجاوزه التاريخ والشارع بالفعل.
الوضع بالنسبة للأطراف المصرية لاسيما الجيش والشرطة من جهة، وجماعة الإخوان المسلمين في اعتصاماتها يبدو متأزماً للغاية، فالجيش لا يرغب في منح الإخوان بطولة عبر فض الاعتصام بالعنف، لاسيما مع قدراتهم في تضخيم الأحداث إعلامياً، بمساعدة حثيثة من قناة «الجزيرة»، وهو ما قد يُخسر الجيش كل مكتسبات 30 يونيو، وعلى رأسها أن الجيش أصبح فوق النقد وفوق السلطات، بعد عام ونصف العام من المظاهرات التي طالبت بسقوط حكم العسكر.
مع عودة كل وفد من الوفود الأجنبية الساعية لحلحلة الأزمة، مع التصريحات التي تشير إلى عدم وجود مخرج بعد، والتي لا تعدو إسداء النصائح المتكررة للأطراف بوجوب حل الأزمة سريعاً، وشبه اعتراف بتحرك الجيش في 30 يوليو أياً كان مسماه، والنصح بعدم إقصاء الإخوان من المشهد السياسي، يقفز السؤال المتكرر عن ماذا بعد؟ وما هو السيناريو الممكن للحل؟ وبالنظر إلى ناحية الجيش والحكومة الموقتة نجد أنها في موقف القوة، وهذا يأتي من عامل الشعبية الكبيرة للفريق أول السيسي، ولما خسره الإخوان من شعبية وحدت غالبية الأطياف المعارضة ضدهم، يبدو أن هذا الطرف لن يقدم أكثر من خروج آمن لبعض القيادات الإخوانية، وبقاء حزب الحرية والعدالة، مع انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة وربما متزامنة.
جماعة الإخوان يكبر اعتصامها كل يوم وتزيد تحصيناته وربما تسليحه، ويبدو اعتصام رابعة وميدان نهضة مصر هما الورقة الوحيدة التي تفاوض عليها، لاسيما وقيادات مثل البلتاجي والعريان وحجازي بل والمرشد متحصنون في هذا الاعتصام، وبعد شهر من الاعتصام لم يعد الإخوان يأملون بعودة الرئيس مرسي مجدداً، وإنما مطالب الخروج الآمن والاعتراف بهم.
هامش الحل ممكن في مصر، خصوصاً أن المنطقة المشتركة في رؤى المختلفين، خصوصاً وأن الغرب يبدو مرعوباً من زوال الأمن في مصر، فتحول مصر إلى دولة فاشلة قد يحولها للمعقل الرئيس لتنظيم القاعدة وباقي الحركات الجهادية، وهو ما يعد خطاً أحمر خصوصاً في سيناء، ولا يتم اللجوء إلى الحلول ليس لصعوبتها بل لعدم وجود أية ثقة بين طرفي الأزمة. فالمجلس العسكري يعتبر مرسي غدر بهم في رمضان الماضي بعد اغتيال الجنود المصريين على الحدود، وأزاح عن طريقه طنطاوي وعنان، والإخوان يعتبرون أن السيسي غدر بهم في 30 يونيو وأزاح مرسي، بالطبع الثقة المعدومة بين الطرفين ليست بهذا التسطيح، فلها تاريخ طويل بين الأجهزة الأمنية المصرية وغالب الحركات الإسلامية.
حلحلة الوضع المصري تحتاج لبعض من زرع الثقة بين الأطراف المتنازعة، وتقديم الضمانات خصوصاً للإخوان، وهذا ما بدأ عبر زيارة نائب وزير الخارجية الأميركية، بمعية وزيرا خارجية الإمارات وقطر، خصوصاً لقاؤهم مع خيرت الشاطر، مع إدراك مختلف الأطراف أن البديل سيكون حرباً أهلية، وسيباح للأمن الاستخدام المفرط للعنف، وللطرف الآخر قيادة مصر لمرحلة التسعينات المشؤومة، بذكريات التفجيرات والأحزمة الناسفة سيئة الذكر، والعيد لن يكون عيداً من دون أن يعيد الثقة.
ختاماً، أتمنى لمصر وللأمة العربية والإسلامية الخير والسلامة، وأتمنى أن يكون العيد فرحاً على الجميع من دون مناظر الدماء التي تتناثر من القاهرة إلى دمشق ومن بيروت إلى بغداد وصولاً إلى تونس، وكل عام وأنتم بخير.
صحيفة الحياة
http://alhayat.com/OpinionsDetails/540035
الخميس 8 أغسطس 2013
اترك تعليقاً