حماس وخبرة أبريل

العديد من الأنظمة الإستبدادية في العالم العربي، والتي ثار عليها شعوبها بحثا عن الحرية والعدالة الإجتماعيه، كانت تشترك في تنكيلها بالشعب وتضييع الحقوق، بالإضافة إلى احتكار السلطة والمال من عصابة النظام، وقد تفوق نظام الأسد العبثي في سوريا، على ليبيا واليمن وتونس وكل الديكتاتوريات، بأنه ضرره لم يقف عنده بل تعدى إلى الضرر لدول جوار ودول عربيه أخرى.
وكان الضرر في أقصاه في ساحتين الساحة اللبنانية والساحة الفلسطينية، وبالطبع التداخل موجود في الساحتين تبعاً لتواجد المخيمات الفلسطينية على الأراضي الفلسطينية، وفيما يخص العبث السوري في الشأن اللبناني في عهد الأسد الأب والابن، فهو في مجمله معروفاً للجميع بمحطاته الرئيسية، منذ دخول القوات السورية في 74 بدعوى حفظ أمن لبنان إبان الحرب الأهلية اللبنانية، مروراً بإغتيال الحريري 2005، حتى الحكومة الإنقلابية الأخيرة في لبنان من لدن حليف سوريا حزب الله.
ولذلك أتناول العلاقة بين سوريا والفصائل الفلسطينية، والتي كانت دائما تتنقل من مقعد الحليف إلى مقعد الخصم، وذاك منذ عهد الراحل ياسرعرفات، وتبعاً للوضع الراهن، فنسلط الضوء على علاقة نظام بشار بحماس، لا سيما منذ إنتقال خالد مشعل والمكتب السياسي من عمَان إلى دمشق، تبعا لتردي العلاقات بين الأردن وحماس بسبب بعض الأحداث الارهابيه التي كان لحماس يد فيها.
ولأن الأسد الأصغر ورث من أبيه شعاره، وهو : ( أذعن قدر اللزوم، وأصرَ قدر الإمكان)، فقد تراوح موقف بشار من القضية الفلسطينية بعد حرب العراق 2003، ما بين الاستعداد للمساومة والتشدد الايديولجي، وكما يذكر الكاتب الألماني كارستين ويلاند في كتابه “سوريا الاقتراع أم الرصاص”، أنه على الرغم من الخطب الرنانة ، إلا أن التضامن مع القضية الفلسطينية يفسح المجال للبراغماتية في حالات الخطر.
فقد أذعن بشار للضغط الأمريكي وأغلق مكاتب الاتصال الخاصة بالمنظمات الفلسطينية في دمشق، وقد انتقدت واشنطن هذا العمل بصفته شكلياً، وظل وفياً لشعار والده، من خلال شد وجذب واستغلال للقضيه الفلسطينية، فمثلا منع تظاهر الفلسطينيين بعد حرب العراق بشدة، بينما صرح أنه لن يطرد أي من القيادات الفلسطينيه، لا سيما خالد مشعل، الذي أصبح قائداً بعد ضربتين متتاليتين لغزه، أدتًا إلى إغتيال الزعيم الروحي أحمد ياسين، وتلاه عبدالعزيز الرنتيسي بعد أسبوعين فقط.
لاشك أن سوريا والمخطط الصفوي بصفة عامة، قاما باستغلال القضية الفلسطينية، لا سيما حماس وبعض المنظمات الجهادية، فقد كان قرار التوقيع على المعاهدات يحدث في القاهرة، أو في الرياض كما في إتفاق مكة، والذي تم برعاية خادم الحرمين الشريفين في 8 فبراير ، 2007، ثم يختم في دمشق، ثم يمزق في طهران.
وبعد خطاب الملك عبدالله الحاسم والحازم، والذي يعد متأخراً شعبياً، ولكن بالنظر إلى التأني المعروف في السياسة السعودية، والنأي بالمملكة عن التدخل في شئون الغير،وما أستدعاه الوضع الدولي من تنسيق، يعد الخطاب تاريخياً بالفعل ، وسيسهم إن شاء الله في حقن الدماء السورية، وحماية مصائر اللبنانيين والفلسطينيين أو هكذا نأمل.
وبالطبع فقد توزعت الإتهامات السورية مع إنطلاقة المظاهرات في سوريا مارس 2011، على ثلاث جهات بالترتيب، المملكة العربية السعودية وسمي الأمير بندر بن سلطان، والشيخ سعد الحريري رئيس وزراء لبنان الأسبق -المحسوب على السعودية بشكل أو بآخر-، والفصائل الفلسطينية التي سارعت لنفي التهمة تماماً عنها، ويبدو ان الفصائل الفلسطينيه لمست أن النظام قد يضحي بهم.
وإذا عدنا بالذاكرة إلى شهر أبريل الماضي، وشهر أبريل مشهور بإطلاق كذبات، لا سيما أول يوم من أيامه، وقد أعتاد الأصدقاء أن يخادعوا أصدقائهم بخبر يتبين أنه خدعه، وكذلك اعتادت المجلات الفنية والسياسية على فبكرة خبر يتبين من العدد الذي يليه أنها خدعة أيضا، ولكن ما حدث في القاهرة في 27 أبريل 2011 ومن نجم الفلاشات خالد مشعل يبدو قراءة إستشرافيه للواقع العربي.
وقد قامت حماس بحراك سريع ، أدى لتوقيع إتفاقية في أربع ساعات مع فتح برعاية مصرية، كانت تتلكأ حماس في التوقيع عليها لمدة أربع سنوات، وتشكيل حكومة تكنوقراط، والدعوة لإنتخابات، والأهم دراسة الدوحة كمقر بديل، أفسر الأمر على أنه قراءة لاحتمال عودة مصر لدورها الطبيعي، بالإضافة إلى الثقة بأن الحل الأمني لن يجدي في سوريا إلى لإطالة عمر النظام لشهور، مع بقاء خط الرجعة موجوداً لو نجحت دمشق بوأد الاحتجاجات بحمامات أكبر من الدم، وهو سيناريو ضعيف ووارد، وبالتالي إن سقط نظام الأسد نجت حماس، وإن سقط فسيداعبونهم لقد كانت كذبة أبريل.

11 أغسطس 2011


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *