إنها حقاً هوليوود العرب، أرأيتم هذا الإخراج الرائع للانقلاب العسكري الذي قام به الجيش المصري، إذ خرج إلى جوار الفريق السيسي الحصانة الدينية عبر شيخ الأزهر والبابا تواضروس، والصوت الشبابي الذي غاب عن مرحلة ما بعد الثورة عبر المتحدث باسم حركة تمرد محمود بدر، والصوت الإعلامي عبر الصحافية العريقة سكينة فؤاد، بل وصوت الإسلام السياسي عبر حزب النور السلفي، أضف إلى ذلك مهلة الـ48 ساعة التي فُهمت من المتظاهرين المعارضين للرئيس مرسي، بأن كثافة المظاهرات هو جر للدبابات إلى القصر ومنح مشروعية للانقلاب، و«صور يا حبيبي صور»، كما قال المرشد لاحقاً.
إنه ليس انقلاباً فهذه إرادة الشعب! 22 مليوناً وقعوا على استمارة تمرد هو عدد ينقص قليلاً عن مجموع من صوتوا في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، كما أن العسكر لم يحكموا حين عادوا بل إن البيان أعلن انتخابات باكرة، وتعيين رئيس المحكمة الدستورية رئيساً مصرياً خلال المرحلة الانتقالية، كما أن سياسة الرئيس وجماعته خلال عام وحدت كل القوى المختلفة، وهذه الوحدة تعود إلى تشكل جبهة الإنقاذ بُعيد الإعلان الدستوري المشؤوم في 21 تشرين الثاني (نوفمبر)، لم يكن هناك همّ لمرسي أكثر من السيطرة على مفاصل الدولة، ومعاداة للقضاء والإعلام والمسيحيين والليبراليين واليساريين.
وعليه فقد كان هذا هو الجدل ومنهج الاستقطاب، إما أن تعارض الإخوان ما يوجب عليك بالضرورة، اعتبار تعيين رئيس بدلاً من رئيس منتخب ليس انقلاباً، ولا هو كفر بأولى خطوات الديموقراطية، بل واعتبار أن دمهم رخيص بل ومشروع سفكه، بل تُصدم من أصوات ليبرالية وحقوقية ولو في حديث خاص، ليتهم يعلقون عصام عبدالماجد وبقية المحرضين على المشانق.
وإما أن يكون إيمانك بالديموقراطية مرتبطاً بالضرورة مع إيمانك بأيديولوجية الإخوان، وبالتالي يجب عليك أن تتعامى عن شهر من التهديد، عُلقت فيه المشانق في رابعة العدوية وعليها صور كل الإعلاميين المعارضين، وتتناسى إرهاب أنصار أبو إسماعيل لمدينة الإنتاج الإعلامي مرات عدة، بل وتتناسى التهديد بالعنف عبر متصدري الصفوف الأولى في كلمتي الرئيس الشهر الماضي عن سورية، التي تصدر المشهد فيها قتلة فرج فودة والسادات وقتلة السياح، فيما أخذ على أنه تهديد لمن يفكر في الخروج في 30 حزيران (يونيو).
بعيداً من هذا الاستقطاب، مشهد 30 يونيو فاق كل التوقعات حشداً وكثافةً، ولم يتوقع أحد أن تستطيع حركة تمرد أو المعارضة حشد هذه الملايين، والحقيقة أن من خرجوا ليسوا جميعاً من حشدهم، بل خرجوا بفضل مرسي الذي وحّد كل أطياف المصريين، في حادثة لم تسبق منذ مينا موحد القطرين، العام الذي حكم فيه محمد مرسي كان فشلاً ذريعاً، جعلت المواطن الذي كفر بالسياسة منذ ولد وربما آمن بها قليلاً بعد ثورة كانون الثاني (يناير)، يكفر بالإخوان وسياستهم التي لم تورثه إلا فقراً وقلة أمن. بل إن ما تعهد به الرئيس خلال 100 يوم لم يحقق ربعه خلال عام، وهذه شرعية أخرى سقطت عن مرسي وهي شرعية الإنجاز، على رغم أنه الرئيس الأول منذ الخديو الذي يجمع السلطة التنفيذية والتشريعية بل وسلطة النائب العام، مرسي وجماعته لم يمتلكوا قدرة السياسي في تقدير الموقف، وكما يقال السياسة هي علم الممكن، ولم يستوعبوا أن الخروج بأقل الخسائر كان الحل الوحيد المتبقي عبر الاستفتاء الباكر، رموا كل بيضهم في سلة أميركا، وعلى رغم أنهم نسخوا كل سياسات مبارك إلا أنهم نسوا عبارته الشهيرة «المتغطي بالأميركان عريان».
انتقال السلطة من العسكر إلى حركة الإخوان المؤدلجة، وعودة السلطة في الاتجاه الآخر، ليس فشلاً للديموقراطية بل فشل للطبقة السياسية جميعاً، العسكر كانوا أذكى اللاعبين وعرفوا دائماً كيف يتكيفون مع العاصفة، فقد سمحوا بانقلاب أبيض مرتين الأولى على مبارك، والأخرى على طنطاوي على أن يبقى حكم المؤسسة، واليوم ينجحون في جعل كل من طالبوا بإسقاطهم يحملونهم على الأكتاف، بل حمل المتظاهرون ضباط الشرطة، التي خرجت 25 يناير بالأساس عليهم، ذكاء العسكر، إضافة إلى الإخراج الرائع لمشهد الخروج، كان جلياً عبر تمركزهم الأخير الذي سيكون النهج المقبل، عبر إدارة من يجلس على الكرسي بدلاً من الجلوس على الكرسي.
صحيفة الحياة
http://alhayat.com/OpinionsDetails/531513
الخميس 11 يوليو 2013
اترك تعليقاً