العودة تحت الأرض

وكأن الملل والخوف والقلق الذي سكن المنتظرين ل30 يونيو، قرر أن يزيل التباطؤ وتتقافز الأحداث بوتيرة متسارعه، فبعد يوم من نزول الحشود إلى ميادين مصر، خرج الفريق عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحه، لكي يعطي مهلة للأطراف المختلفة كي تتوافق خلال 48 ساعه، وإلا فإن الجيش سوف يقدم خارطة طريق لنزع فتيل الإحتقان السياسي في الشارع.

مهلة السيسي الجديدة سبقتها مهله لمدة أسبوع قبل 30 يونيو، ولم يأخذها الطرف الحاكم على وجه الخصوص بجدية المهلة الجديدة، ويعتبر بيان القوات المسلحه إعادة تنصيب الجيش كسلطة فوق الجميع، بعد أن إنسحب الجيش من المشهد وجعل أغلب المعارضين يندمون على شعار ” يسقط  يسقط حكم العسكر”، وهو جزء من صراع بين ثورة 52 ومن حكم بعد ثورة 25 يناير، وإن كان واضحا أن الجيش لن يبحث عن الحكم مستقبلا، وسيبقى راغبا في دور الوازن من خارج اللعبه.

وبالأمس خرج الرئيس محمد مرسي في خطاب بعد منتصف الليل، شعرت شخصيا أنه الخطاب الأخير، وكان اللافت أنه لا جديد في الطرح سوى التحرك خارج الزمن، فهو يعرف أن المتظاهرين لن يرضيهم أقل من إستفتاء على شعبيته أو على إنتخابات مبكرة، وهو ما يكفله له الدستور الجديد عبر المادة 150، وفي حال عدم الإقدام على هذة الخطوة فسيكون البديل الوحيد هو التنحي كما حدث من مبارك، وبدلا من ذلك خرج مرسي تماما كما مبارك متأخرا عن نبض الشارع، وموضحا مبادرته المتأخرة بإقالة الحكومة وتعديل الدستور وإيجاد مخرج لمشكلة النائب العام.

كان اللافت أن المعارضين في الميادين إعتبروا أن خطاب مرسي كأن لم يكن، ويعتبرون أن المسألة مسألة الوقت الذي يفصلهم عن إنتهاء ال48 ساعه، وبالتالي تصفير العدادات التنازلية التي إنتشرت على شاشات الفضائيات المصرية، لا سيما بعد أن أُعلن قبيل كلمة مرسي من أن المجلس العسكري في حالة إنعقاد دائم، وما سُرب من تطمينات من أن الجيش سيعين مجلسا رئاسياً كأحد خطوات خارطة الطريق.

هذا الترقب للساعات القليلة القادمة، يسكن نفوس أغلب الشعب كثير من الفرح وبعض من الخوف، خارطة الطريق لا تبدو غامضة، وتقوم على تحقيق أغلب المطالب من إنتخابات رئاسيه وتعديل للدستور إلى آخر القائمة، مع تحفظي الشديد على تعيين مجلس رئاسي بدلا من رئيس منتخب، لأنه قرار غير ديموقراطي تماما، ويوجد بدائل ديموقراطية متاحة.

أما المخاوف فهي من تجاهل السيناريوهات المطروحه من مؤيدي الرئيس، في حال عدم قبوله بإنتخابات مبكرة، رغم أن هذة كانت نصيحة الزمر لمرسي بإجراء إستفتاء على إنتخابات مبكرة، فالبديل بالنسبه للإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية وباقي الحلفاء سيكون العنف، وستكون عودة إلى التسعينات الميلادية والسيارات المفخخه والأحزمة الناسفه -لا قدر الله-، فلا يجب أن نعتقد أن جماعة ظلت تحت الأرض ستقبل أن تخسر رأس الحكم بهذة السهولة.

إن أبرز ما أنتقده المختلفون مع الإخوان خلال أشهر حكمهم، هو الجشع الواضح في الحكم منفردين، وتقويض سلطات القضاء والإعلام والأمن، ومالم تكن أي خريطة طريق تبقي حق المشاركة للجميع، وتكفل تداول السلطه، وتؤدي لحل توافقي، وإذا ما أقُصي الإسلاميين مجددا من المشهد، فهذا يعني أن جعل الخيارات محدودة أمامهم للعنف والعودة لإجتماعات الظلام.

 


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *