إلغاء يوم الأحد

عادة ما تتنافس فرق كرة القدم خلال استعدادها للمباريات المهمة بأمرين، الأول هو التدريب البدني والمعسكرات المغلقة، والأمر الآخر هو التهيئة النفسية للمواجهة، والتهيئة النفسية تهدف إلى رفع الروح المعنوية للاعبين والأنصار، وكذلك محاولة زرع روح الهزيمة لدى الخصم، ولأن «مرسي» وجماعة الرئاسة ترى يوم 30 حزيران (يونيو) الجاري معركة حسم، فقد تعاملت معه بالطريقة نفسها.

وعلى طريقة التدريب الأخير على الملعب الرئيس، أتى مرسي لمؤتمر دعم الثورة السورية، وألقى كلمة في وسط الاستاد، من المفترض أنها لنصرة شعب سورية، وقال فيها كلاماً طيباً ومتأخراً، من قطع العلاقات مع سورية، وإن كان شك الصحافي لا بد ألا يدفع لقراءة تصريحات الرئيس مرسي بمعزل عن تصريحات أوباما بتسليح المعارضة، ولكن الأبرز أنه تحدث عن 30 حزيران (يونيو) لأكثر من نصف ساعة في «مؤتمر دعم الثورة السورية».

هذا ما دفع المتحدث باسم حزب النور السلفي نادر بكار للقول: «إن هذا المؤتمر لنصرة الرئيس لا لنصرة سورية»، فبطولات الصراخ عبر الميكروفونات مع تكبير الجماهير، أمر قديم بدعه عربياً «عبدالناصر»، وتلاه في منطقتنا نجاد ونصر الله، وأعتبرنا أن خطب «باب العزيزية» في آخر أيام القذافي، دليل على أن الجمهور العربي لم تعد تنطلي عليه العبارات، وأصبح يقيم الأفعال فقط وإن توهمنا.

30 حزيران (يونيو) الذكرى الأولى لتولي محمد مرسي كرسي الرئاسة، ولا أعرف في التاريخ الحديث تاريخاً مثله، من حيث أن رئيس بلد عَلِم قبل نحو شهرين، أن جزءاً كبيراً من شعبه ينوي النزول لعزله، وكان ذاك بالطبع تبعاً لنجاح حملة «تمرد»، وانتشارها كالنار في الهشيم، ووصول عدد الموقعين على استمارة تمرد – كما يقول العاملون بها – إلى نحو عشرة ملايين مواطن، ولا بد من الإشادة أن ابتعاد حملة تمرد عن الوجوه المشوهة في الحكم والمعارضة هو أبرز عوامل نجاحها.

عوداً إلى الاستعدادات لهذا اليوم من الحزب الحاكم، فقد جاءت أولها عبر استغلال موضوع سد النهضة الأثيوبي، الذي أعلنت أثيوبيا عن إقامته فور مغادرة محمد مرسي أديس أبابا، ودعا بعده الرئيس لاجتماع سري – سمعه الجميع – بين القوى الوطنية، وكما لا يتوقع أن مؤسسة رئاسية عريقة تبث لقاءً بالكامل على الهواء بجهل منها، كذلك لا يُعتقد بأن الرئيس مرسي والفريق الرئاسي قصدوا أبعد من إحباط الشعب من مستوى الساسة، وهو شعور يدفع بالرضا على مضض بـ«مرسي». تلا ذلك كلمة الرئيس مرسي أمام المؤتمر الوطني للحفاظ على حقوق مصر في مياه النيل، التي كانت الرسالة مباشرة للمتظاهرين ولكل من ينوي النزول في 30 حزيران (يونيو)، ولم تكن الرسالة عبر الكلمات التي قيلت بل كانت عبر الصفوف الأولى من الحاضرين، التي ضمت قتلة فرج فودة والسادات وقيادات الجماعة الإسلامية، وبالطبع كانت الرسالة «أن هؤلاء من سيكونون في المواجهة عند الاتحادية»، وهو ما تكرر في خطبة الاستاد التي قطع بها العلاقات مع سورية.

المخيف في موضوع 30 حزيران (يونيو)، أن جميع الأطراف لم تعد تريد الحوار، أو لا تثق فيه، لأنه غالباً سيبث على الهواء قولاً وسيطير في الهواء وعوداً، وإذا خلت فرص الحوار وإيجاد مناطق وسط، فلا بديل عن تقسيم البلد – إفتراضياً – على رغم كل الدعوات لسلمية المظاهرات، فخبرتنا البسيطة بأن الدعوة للسلمية تبقى دعوة فقط، ومتى ما زادت الجموع المحتقنة، والتقى الطرفان فالدم هو النتيجة، خصوصاً أن الشرطة لا تجد حماسة لتحمل تبعات الفصل الكامل بين المتظاهرين، أضف إلى ذلك انتشار الشائعات عن تأجير أشخاص لاستخدام العنف، يسمونهم «بلطجية» في ناحية المعارضة، ويعتقدون أنهم من «حماس» في ناحية الرئاسة.

أيام قليلة تسبق اليوم الموعود، ولا يبدو أن هناك دعوات تهدئة أو حلحلة، إلا من بعض الأصوات العاقلة والخافتة عادة، ويبدو أن من بيده الشأن لم يتخذ إجراءات نحو الحلحلة، فبعد عام من تجاهل قرارات القضاء، وعلى رأسها بطلان إقالة النائب العام عبدالمجيد محمود، وباقي المماحكات المعروفة للقضاء والإعلام والجيش، والتصريحات الأخيرة من شيخ الأزهر التي ذكرت جواز الخروج على الرئيس، بل وعدته واجباً في بعض الأحيان، كما أن تصريحات وزير الدفاع المصري «السيسي» التي فهمها كل طرف بأنها ضده، تشير إلى أنه لا يوجد أي طرف بمنأى عن 30 حزيران (يونيو).

«تمرد» و«المعارضة» يجب أن يجيبا عن سؤالين قبل 30 حزيران (يونيو)، الأول: عن البديل الجاهز، وهو ما سيبقى معضلة المعارضة من دون قائد، والسؤال الثاني: عن مدى الاستقرار لمن سيأتي في سدة الحكم بعد مرسي؟ أما الرئيس فيبدو بين خيارين، إما تقديم قرابين قبيل التاريخ لا تقل عن إقالة الحكومة، هذا حتى لا يصبح متأخراً كما كان مبارك، وإلا فالخيار المتبقي هو إلغاء يوم الأحد 30 حزيران (يونيو)، على طريقة «القذافي» حين ألغى يوم الجمعة.

 

 

صحيفة الحياة

http://alhayat.com/OpinionsDetails/527306

الخميس ٢٧ يونيو ٢٠١٣


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *