نحن على بُعد أيام من مرور العام الأول على انتخاب الرئيس المصري محمد مرسي، وإن كان معارضوه والقائمون على حملة «تمرد» يمنون النفس أن يكون العام الأخير أيضاً، محمد مرسي يحكم مصر كأول رئيس منتخب بعد ثورة 25 كانون الثاني (يناير) 2011، وفي نهاية الشهر ينوي المعارضون النزول لإسقاط الرئيس في 30 حزيران (يونيو) والاعتراض على سيطرة الإخوان على مقاليد الدولة. القاهرة لم تهدأ فيها المشاحنات بين مؤسسات الدولة، وعلى رأسها الجيش والقضاء مع مؤسسة الرئاسة، فقد شهد الشهر الماضي اختطاف جنود في سيناء ثم تحريرهم، سبق ذلك قرار المحكمة ببطلان عزل النائب العام السابق عبدالمجيد محمود، وهو قرار بقي قرار محكمة من دون دخوله حيز التنفيذ، والأطراف بانتظار جلسة محكمة استئناف القاهرة في 25 حزيران (يونيو) الجاري لاستكمال دعوى تمكين عبدالمجيد محمود من الحصول على الصيغة التنفيذية لحكم بطلان عزله، وصولاً إلى قرار المحكمة الدستورية الأخير ببطلان انتخابات مجلس الشورى، والتبعات التي تلي الحكم على الدستور القائم.
المناكفات تبقى مناكفات تشغل صفحات الصحف وشاشات التلفاز، ولا تؤثر بشكل رئيس في حياة المواطن، ولكن ما يمس المواطن ابتداءً هي حاجاته الرئيسة التي تُمس كل يوم، فبعد أشهر من أزمات الوقود ونفاد السولار، تعيش مصر اليوم أسوأ عصورها على مستوى نفاد الطاقة الكهربائية، إذ أصبح قطع الكهرباء أمراً يومياً، وأصبح لا يميز حتى بين الأحياء التي لم تشهد انقطاعاً في تاريخها، وأصبح من المعتاد أن تكمل بعض المؤتمرات والأمسيات على ضوء الشموع.
إذا نزلنا في هرم حاجات الإنسان من الكهرباء للماء، نجد أن مصر ستواجه أزمات مائية، ظهرت في انقطاع للمياه عن مناطق بالأيام في الصيف الماضي، ولكن ما أعلنته أثيوبيا قبل أيام من إنشاء سد «النهضة»، مباشرة في اليوم التالي لمغادرة محمد مرسي لأثيوبيا، ينذر بكارثة من حيث الأثر والتوقيت، فالسد الذي سيرتفع لأكثر من 700 متر سيؤدي بالضرورة لتقليل نسبة مصر من المياه، التي من المرشح أن يصل العجز فيها إلى 94 مليار متر مكعب في العام 2050.
الأرقام السابقة أشار إليها الرئيس الشرفي للمجلس العربي للمياه الأمير خالد بن سلطان، خلال كلمته التي ألقاها في القاهرة، خلال فعاليات المؤتمر العربي للمياه الذي أقيم في شباط (فبراير) الماضي، وقد أثارت تلك التصريحات الجانب الأثيوبي، خصوصاً الجزء من التصريح المتضمن: «أن أثيوبيا تعتزم بناء سد النهضة كنوع من الكيد السياسي للقاهرة، والإضرار العمدى بحقوقها في مياه النيل، والعبث بالمقدرات المائية لمصر، نظراً لأنها ليس لديها مصدر مائي بديل مقارنة بدول حوض النيل الأخرى».
حكومة مصر اليوم يديرها وزير الري السابق في حكومتي الجنزوري وعصام شرف الدكتور هشام قنديل، كان ينتظر منها أن تولي موضوع المياه، وهو موضوع أمن قومي، أهمية قصوى، وحتى ما حصل من اجتماع الرئيس مع رؤساء الأحزاب، الذين لم يعلموا بأن لقاءهم يُبث مباشرة على الهواء، كان لا يعدو كونه مناكفات سياسية وتوفير مادة لبرنامج «باسم يوسف» في الجمعة المقبلة.
السودان حين قُسمت كانت أول زيارة قام بها الرئيس السوداني الجنوبي لتل أبيب، وقال للرئيس الإسرائيلي رابين: «لولا أنتم ما كنا»، اليوم التسريبات المقصودة وغير المقصودة تشير إلى أن إسرائيل تتكفل بإنشاء سد النهضة في أثيوبيا، وعليه يجب ألا ينسى المصريون والسودانيون أن إسرائيل تبقى عدوه، وليس بالضرورة أن تحارب بالطائرات، فسد النهضة لو أقيم سيدمر أمن مصر المائي، ولو انهار السد فسيؤدي لغرق الخرطوم تماماً.

 

 

20 يونيو 2013


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *