في قصيدة للشاعر السوري الراحل نزار قباني بعنوان «رجل وحيد»، يقول في بيت «ألديك أي جريدة ما هم ما تاريخها.. كل الجرائد ما بها شيء جديد»، وكأن نزار يتكلم عن أخبار ثورة سورية، وتحديداً بعد انتهاء الفترة الأولى منها التي كانت سلمية بالكامل، التي تُليت بـ18 شهراً تحمل أخباراً متشابهة، من شاكلة عناصر من الحرس الثوري، ومن حزب الله تشارك في المعارك، وتطهير مدن الغرب، وتوجه الأسد لتشكيل دويلة علوية.

المشكلة في الثورة السورية أنها أكبر ثورة دموية منذ انتشار وسائل الإعلام الجديد، هذه الثورة التي أسهم في إطالة أمدها، عدم وجود رغبة حقيقية لدى المجتمع الدولي بإسقاط بشار، عرفاناً لما قام به هذا النظام المقاوم عن إسرائيل، عبر تأجير «الجولان» أكثر من أربعة عقود، ودعم تفتيت النسيجين الفلسطيني واللبناني، وصولاً لتقويض كل محاولات السلام السابقة.

لأن الثورة السورية أتت بعد انتشار وسائل الإعلام الجديد والتلفزة، فقد أسهمت مع الوقت في تبلد إحساس المشاهد من المناظر الدموية، والأسوأ أن يمل المشاهد من الموضوع، الملل هو العامل الذي لعبت عليه إيران في مجابهتها للثورة الخضراء إبان الانتخابات الرئاسية الأخيرة، والملل تلعب عليه سورية أكثر، لأنه يعني تجاهل العالم للقضية السورية، أو نزولها في سلم أولويات العالم.

ولأن هذا الملل لم يدخل لنفوس السوريين والجيش الحر تحديداً، ولا أدى ذلك لتراجع الداعمين للثورة السورية لا سيما من دول الخليج، فإن النظام السوري يستغل الغفلة عن سورية في التصعيد مع كل تراجع يعاني منه على الأرض، فبعد أن وقفت أو تقلصت الانشقاقات في الجيش السوري، ولم يبقَ الموالون من الطائفة ومن المنتفعين، اتخذ النظام مسار رد الفعل.

مع عودة «بوتين» إلى الكرملين، والفترة الثانية لـ«أوباما» في البيت الأبيض، نهج النظام السوري خلال النصف الثاني من العام الماضي تصعيداً شديداً بالقصف من الطائرات، فقد كانت الإشارة التي التقطها، ضمانة عدم توجه المجتمع الدولي لمناطق عازلة على شاكلة ليبيا، تلا ذلك بالطبع استخدام أرعن لصواريخ سكود، وصل عددها للمئات خلال أسابيع قليلة، وصواريخ سكود تحتاج همسة في أذن من آمنوا يوماً بمقاومة «حزب الله»: فلم يطلق حزب الله ولا سورية صاروخ سكود واحداً تجاه الأراضي الإسرائيلية.

سرد التصعيد في الأسلحة المستخدمة من النظام السوري، مع تراجعه على الأرض وصمت المجتمع الدولي إلا عن تصريحات باردة، يعني أن النظام أدرك تماماً ألا تدخل في سورية حتى يفني أحد الطرفين الآخر، وقد كان الكيماوي في نظر الجميع خطاً أحمر، وتوقعوا أنه سيكون القشة التي ستقصم ظهر بشار، خصوصاً بعد تأكيدات الخارجية البريطانية، ولكن بشار وإيران وحدهما كانا متأكدين أن أوباما لم يكن جاداً في أي من تصريحاته.

ختاماً، لأن الضربات الإسرائيلية ليست بالجديدة في أي موقع سوري تتوقع أنه قد يكون خطراً عليها، فيجب أن ندرك أيضاً أن استغلال الحدث إعلامياً أمر عفا عليه الزمن وشرب، فلا إسرائيل تضرب سورية، لأنها رمز المقاومة، ولا ضربة إسرائيل تفرحنا، لأنها ليست لإسقاط بشار، وإنما لحماية أراضيها من أي أسلحة قد تستخدم ضدها عبر حزب الله وغيره، ومن لا تزال الضربات الإسرائيلية تعني له بطولة أسدية، فيجب أن يتلمسها بلغة «بريل» إذا كان بصيراً بلا بصيرة.

صحيفة الحياة

http://alhayat.com/OpinionsDetails/511706

9 مايو 2013


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *