في الدول الجمهورية، لاسيما المحترمة منها، تكون ركيزة تسويق مرشح الرئاسة هو صدقية الوعود الانتخابية، وعند الرغبة في إعادة الترشح، فتستخدم الإنجازات لإعادة تسويق المنتج، وكلما زاد وعي الشعب وتقدم الدولة كان هذا التسويق بالأرقام، وكلما زاد جهل الشعب وتخلف الدولة كان هذا التسويق بالكلام.
الرئيس السوري في محاولته للبقاء حاكماً لسورية أو بعض منها، لا يبدو أن لغة الأرقام تعنيه أبداً، فأعداد القتلى التي جاوزت عشرات الآلاف اقتراباً من سقف 100 ألف قتيل، وإن كان في تقديري ما تحت الأنقاض أكثر، ومئات الآلاف من المصابين وفاقدي الأعضاء والمشوهين، ناهيك عن ملايين المهجرين، والحصيلة مرشحه للزيادة إذا بقي الوضع على ما هو عليه.
بعد عامين من انتفاضة الصدور المفتوحة، أشبع المحللون الأزمة «الثورة» السورية تحليلاً، ويبدو أن التحليلات لا تخرج عن ثلاثة، إما أن الجيش الحر سيقضي على النظام، أو الزمرة القريبة على أقل تقدير، وإما أن الدعمين الروسي والإيراني، إضافة إلى دعم حزب الله، سيؤديان لوأد الثورة، مات من مات وبقي من بقي، واحتمال ثالث أيده الأقلية ويحمل بعضاً من الواقعية، وهو تقسيم سورية.
التحليلات السابقة جميعها ذات وجاهة، وما يغلب احتمالية خيار على آخر، هو مدى الدعمين المادي والبشري الذي يتلقاه كل طرف، فمن المعروف أن الخليج، وبدرجة أقل الأردن، تقف مع الثورة، والعراق وإيران وروسيا تسعى حثيثاً لوأد الثورة، وأطراف تنتظر انتهاء الشواء على أن تتقدم صدر المائدة، على رغم أنها أكثر الأطراف قدرة على حسم المعركة، وأعني بالطبع الولايات المتحدة الأميركية.
ولأن أميركا أوباما في الحكم، وكيري في الخارجية، لن تتدخل في سورية ولو لم يبق إلا مواطن سوري واحد، أميركا اكتفت بالدعم البخس مادياً – إذا كان دعماً حقيقياً – والإدارة الأميركية لن تجلب سخطاً داخلياً، كالذي حصل عبر التدخل في ليبيا، ما أدى إلى الاعتداء على القنصلية في بنغازي، كما أن أميركا لا تبدو متضررة، أو حتى حليفتها إسرائيل، عبر إجهاد سورية شعباً وبنيةً تحتية وموارد أكثر وأكثر.
أما بشار الأسد، الذي يبدو أكثر ثقة اليوم أكثر من أي وقت مضى، على رغم كل المناطق التي خسرها، وكل الانشقاقات والخسائر التي أصابت جهازه الأمني، فيبدو أنه يتعامل مع سورية على طريقة ضيوف جورج قرداحي، فهو يجرب كل فرص المساعدة، فقد سبق أن حذف نصف الأرض، وأخذ رأي الجمهورين الروسي والإيراني، وحالياً يعيش فترة الاستعانة بالصديق الإيراني، الذي يشارك بأكثر من 60 ألف عنصر على الأرض، وقد اغتيل أحد أهم قياداته الأسبوع الماضي في سورية.
ولأن الاستعانة بالصديق تزيد وجوباً مع الجيران، فقد كان مقتل ثلاثة أفراد من عناصر «حزب الله» قبيل أيام في سورية، مؤشراً على أن حزب الله أيضاً يشارك على الأرض، بغض النظر عن التبرير المضحك الذي ساقه حزب الله، بأن عناصره كانت هناك «دفاعاً عن النفس»، وإذا رددنا بالمنطق نفسه: «فماذا كانت ستفعل النفس هناك»، ويبقى الأمل أن يرحل بشار بلا رجعة، مع انتهاء وسائل المساعدة التي يمنحها له باراك قرداحي.
جريدة الحياة
http://alhayat.com/OpinionsDetails/490316
8 مارس 2013
اترك تعليقاً