ما فتئ الأطباء يبحثون منذ الأزل في شأن الإنجاب والخصوبه، فيحاولون أن يساعدوا من لديه مشكله تمنعه من الإنجاب، حتى يشعر بسعادة الأبوه، ويحاولون أيضا تحقيق رغبه الهادفين لتحديد النسل أو منعه بالمطلق، لكن بالتأكيد يجب أن يحظى بالدراسه والبحث، مقدار إنعزال بعض السياسيين عن واقع دولهم، رغم ما نعيشه من تطور وسائل الإعلام، حيث لم نعد في عصر يأتي إلى الحاكم شخص بعد مسير شهور ليخبره بحال بقعة من الوطن.
هذا ما كنت أفكر فيه وأنا أسمع خطاب بشار الأسد في الأوبرا، الخطاب الذي جسد فيه أقصى درجات الإنفصام عن الزمان والمكان، حيث يكرر نفس اللهجه ونفس الوصوف، حين يشير للثوار كإرهابيين ومجرمين، و للدول التي تدعم الجيش الحر بالدول التي تعادي سوريا، ثم ينكل بالغرب وأمريكا وهو يعرف أن أمريكا بالذات، لو أرادت زواله لفعلت حين تدخلت للتخلص من رفيقه في ليبيا.
وقد قارن بعض المحليين ووسائل الإعلام بين بشار و القذافي في خطابه الأخير، وإن كان الشحوب في وجه بشار كان أشد، وأن هذا مؤشر إلى قرب سقوط بشار الأسد، وحقيقة أعتقد أن الخطاب هو رسالة تحدي للداخل السوري، تعني أنه لن يقبل بأي مبادرة تؤدي لتنحيه، وأنه باقي حتى يفنى الحرث والنسل، أو يموت شر ميته، والخطاب لم يكن وحده الرساله، بل كانت بالطبع الطائرات التي تدك المدن تزامنا مع الخطاب وبوتيرة أكثر قسوة.
المؤشرات تدل أن بشار سيتعامل في المرحله المقبله كالثور الذي جُرح، حيث سيضل يركض ويرفس من حوله قبل أن يسقط قتيلا، والخطاب يحمل بعض الرسائل للجار الشمالي الذي زحفت بطاريات الباتيريوت من القاعدة الأمريكية في ألمانيا أتيه لتركيا، حيث يبدو عند بشار تطمينات إسرائيليه على وجه التحديد، أن فوز أوباما للدورة الثانية هو إستمرار للسياسة الناعمة، وبالتالي لا تدخل عسكري في سوريا حتى يقتل أو يقُتل.
خطاب بشار الأسد يأتي بعد خروج المظاهرات في العراق، وتشقق الأرض من تحت أقدام المالكي، صديق اليوم لسوريا وعدو الأمس، ولكن من يجمعهم بالرعاية وهي إيران، أدركت بالضرورة أن التحرك في العراق أزعجها أكثر من أي شئ آخر، حيث إعتبرت أن سقوط بشار سيزيد من إحتمالية سقوط المالكي، والذي سيؤدي بالضرورة لوصول النيران لطرف ثوبها، وإيران بذلك أدركت أن خط دفاعها الأول هو دمشق، وربما تضطر لمد بشار بعناصر إضافيه للمشاركه على الأرض، مباشرة أو عبر حزب الله بالوكاله، لأن الهلال الشيعي أثبت أنه هلال دومينو سيسقط إن سقطت أول حبه منه.
على الجانب الروسي لا تمانع إستمرار دعمها لسوريا سلاحا وذخيرا، ولكن لا أعتقد بشريا بعد الآن، فروسيا تسحب العديد من مواطنيها، وتستمر في دعم بشار الأسد وهي ترى مؤشرات المناطق العازله من طرف تركيا، ولعل لسان حالها يقول :”فخار يكسر بعضه”،وربما يكون التعويض عناصريا من إيران كما ذكرت، ولابد أن لقاء رئيسي أمريكا وروسيا المرتقب سيكون فيه سحب روسيا من المشهد السوري وربما عبر ضمانه بقاء القاعدة الروسية في طرطوس.
بالتأكيد تمنى كل الشرفاء لو كان حافظ الأسد عقيما، أو أنه إستخدم أيا من تقنيات العزل ونجى الأبرياء من نجله بشار، ولكن يبدو أن الديكتاتوريين من أمثال القذافي وبشار، لا يعرفون من الإنعزال إلا ذاك الذي يفصلهم عن الواقع، حيث بدأ بشار لا يسمع إلا تصفيقات العشرات في الأوبرا، ومصموم الأذن عن صوت المدافع التي اقتربت منه.
جريدة الحياة
http://alhayat.com/OpinionsDetails/473258
16 يناير ٢٠١٣
اترك تعليقاً