حين تتقاذفك التصريحات المتباينة، ويظهر المختلفون سياسياً ليطلقوا التصريحات المتضاربة عن شعبيتهم وشعبية خصومهم، عادة يكون الملجأ هو البحث عن الأرقام، سعياً لشيء من الدقة، وعلى رغم كل ما يقال عن تزوير بعض الأرقام وعدم دقتها، تظل الأرقام أدق الطرق لتحديد حدث منتهٍ كالتصويت على الدستور المصري مثلاً.
وإذا عدنا إلى المناسبات الانتخابية في مصر منذ الثورة، وحجم الكتلة الإسلامية خصوصاً التيار الإخواني والسلفي، نجد أن الأرقام جد متباينة، فالتجربة الأولى كانت عبر استفتاء 19 مارس 2011، الذي صوت خلاله 77 في المئة من الناخبين بنعم، ثم مع الانتخابات البرلمانية حافظ الإسلاميون على نسبة قريبة بـ47 في المئة إخوان، و25 في المئة لحزب النور السلفي، ولكن المشاركة في الانتخابات البرلمانية كانت لـ30 مليون ناخب، مقارنة بـ20 مليون ناخب في استفتاء 19 مارس.
وإذا تجاوزنا انتخابات مجلس الشورى لضعف المشاركة فيها البالغة 7 في المئة، فإن انتخابات الرئاسة كانت صادمة للكثير، خصوصاً من ناحية الأصوات التي حققها أحمد شفيق وحمدين صباحي، شفيق حقق الدهشة لأنه أكثر الناس ارتباطاً ذهنياً بالنظام السابق الذي من المفترض أن الشعب ثار ضده، بل وزادت المفاجأة حين صوت تقريباً العدد نفسه من الناخبين في انتخابات الإعادة بين «مرشح الفلول ومرشح الإخوان»، كما أطلق عليهما آنذاك.
وخروجنا من جدلية الأرقام، التي أثبتت أنها لا تمثل فعلياً الكتلة الانتخابية للأحزاب، وذلك ببساطة لأن الكتلة الوحيدة المنظمة التي توجه كصوت واحد في الانتخابات، هي كتلة الإخوان والسلفيين، ولكن هذا وحده لا يكفي لتصور المشهد، لأن الإسلاميين يجنون ضعف هذه الكتلة أحياناً وهي بالطبع أصوات لا حزبيين، ثم يخسرون أكثر من ذلك حين تتعدد الخيارات كما في انتخابات الرئاسة. إذاً لدينا كتلة تقاطع انتخابات وتشارك في أخرى، وبالتالي ليس حزب الكنبة فقط، فلدينا حزب الاستقرار وحزب الرعب، فالمشاركة عادة تكون إما بالشعور بأمل في التغيير، أو بخطر قادم، ولا يجب إهمال تأثير الإعلام المتزايد الذي كان ضعيفاً جداً بعد الثورة مباشرة، ربما أن الكثيرين أنهوا تحولهم بسلاسة من إعلاميين فلول إلى إعلام وطني، ويجب ألا ننسى انتخابات الرئاسة التي تحركت فيها غالبية الأصوات بدوافع الرفض إما للفلول أو الإخوان. في مصر اليوم عبر الدستور المصري بنسبة 64 في المئة، وهو بالمناسبة دستور به كثير من الميزات والقليل من العيوب، وليس صحيحاً أن الخلاف على الدستور كان قانونياً، ولكنه صراع في أبسطه عدم ثقة، وفي أقصاه محاولة لانتزاع الحكم من طرف، والتعنت عبر سياسة «البقاء للأقوى» والعبارة لنائب الرئيس المستقيل أخيراً.
إذا ما أرادت المعارضة المصرية أن تحقق إنجازاً حقيقياً، يتمثل في كتلة كبيرة ووازنة في مجلس الشعب «النواب» القادم، فيجب أن يتذكروا أنهم لم يجمعوا الناس حولهم، إلا حينما تجمعوا على منصة جبهة الإنقاذ الوطني، وتركوا خلافاتهم خلف ظهورهم، والمشهد الأخير حين خرج صباحي دون موسى والبرادعي، أعطى انطباعاً أن المعارضة كالبكائين على القبور، حين انفض العزاء اختفوا.
في مصر فرصة كبيرة للسياسيين لأن معظم الشعب غير مؤدلج، وقد يسمع لجبهة متحدة ومتنوعة، ولكن إذا كانت المعارضة مفككة كما كانت في كل المشاهد قبل جبهة الإنقاذ، فسيعتبرها الشعب مسخاً للمعارضة الكرتونية وقت مبارك، والخطاب المختلف غير النخبوي هو الوحيد القادر على دفع المواطن لاختيار مرشح المعارضة بدلاً من غيره، وعندها قد يكون البرلمان الأخير.
جريدة الحياة
http://alhayat.com/OpinionsDetails/466207
الخميس ٢٧ ديسمبر ٢٠١٢
اترك تعليقاً