في عام 2018 وبعد أن أعلن الرئيس ترمب نقل السفارة الأمريكية رسمياً من تل أبيب إلى القدس، وهو القرار الذي أقره الكونغرس من عام 1998، قرر الملك سلمان بن عبدالعزيز تسمية القمة العربية التي أقيمت في الظهران بقمة القدس.

هذا القرار أظهر بوضوح أن السعودية بعلاقتها المميزة مع إدارة الرئيس ترمب، تمارس استقلاليتها وتتماهى مع مواقفها الثابتة عبر التاريخ، والإيمان في حق الفلسطينيين بدولة على حدود 67 عاصمتها القدس الشرقية.

هذا الموقف الثابت عبرت عنه مبادرة الملك فهد حين كان ولياً للعهد في فاس 1981، وكذلك مبادرة الملك عبدالله في قمة بيروت 2002، التي تحولت إلى مبادرة عربية.

شهدت السنوات الأخيرة مزيداً من الدعم من المملكة للأونروا (جمعية غوث وتشغيل اللاجئين في الشرق الأدنى)، وذلك بعد موجات من تراجع الدعم الأمريكي للمنظمات الداعمة للفلسطينيين لخلق ضغط اقتصادي، ولكن السعودية لم تسمح بذلك دافعة نحو قرار فلسطيني غير خاضع للضغوط الاقتصادية.

اليوم ومع توقيع الإمارات والبحرين لاتفاقيات سلام مع إسرائيل، واقتراب دول أخرى من نفس المسار، يظهر ارتباك في القيادات الفلسطينية، فالعديد راهن على استمرار الأزمة لتستمر المنفعة، كما أن الفرص الضائعة للسلام تأتي دائماً أقل من سابقتها، وهذا درس راسخ في التاريخ.

بعض القيادات الفلسطينية أدمن الخيارات الخاطئة، من رهان الحسيني على هتلر في الثلاثينات، مروراً برهان ياسر عرفات على صدام حسين، رغم ما قدمت له الكويت، وصولاً إلى رهان البعض اليوم على خامنئي أو أردوغان.

اليوم أمام القيادات الفلسطينية الخيار بين الواقعية السياسية وإن لم تكن شعبوية، وبين الشعارات السياسية التي لا تسمن ولا تغني من جوع، مثل ما يحصل أمامهم في لبنان من اتجاه المقاومة لترسيم الحدود مع إسرائيل في الناقورة، والخنوع أمام كل القصف الذي تعرضت له عناصر الحزب في الأراضي السورية، ثم القيام في اليوم التالي لتكرار خطابات المقاومة ذاتها، والتي قاومت الجميع إلا إسرائيل.

خيار الذهاب مع رهانات تركية وإيرانية اليوم، سيقضم ما تبقى من رصيد للقيادات الفلسطينية في نفوس الخليجيين، فالمزاج الشعبي مختلف تماماً اليوم، والوعي البعيد عن الشعارات هُو عنوان المرحلة، كما أن إيران بالنسبة لنا اليوم هي من تزود الحوثيين بالصواريخ لتقتل الشعب اليمني وتهدد المملكة والملاحة البحرية أيضاً، كما أنها الدولة التي سمحت بمغادرة يهود يمنيين من صعدة بطلب من إسرائيل، عبر طائرة للخطوط القطرية توقفت في الدوحة، قبل أن تكمل الرحلة إلى تل أبيض.

تركيا أيضاً هي الداعم الأول للإخوان المسلمين، ولكل مشاريع الربيع العربي، وتحويل عدة دول عربية لدول فاشلة، وهي التي بحثت عن زرع القواعد العسكرية حول الخليج من السودان إلى قطر والصومال، وهي التي تملك أنشط خط جوي مع تل أبيب، والتي اعتذرت بعد عنترية سفينة مرمرة، وأقر البرلمان التركي بعدم جواز محاكمة أي طرف إسرائيلي، مقابل تعويضات مادية عن القتلى الأتراك.

في الوقت الذي نرتدي فيه جميعاً الأقنعة للوقاية من جائحة كورونا، يتبين لنا ضروري ارتداء قناع واق من الشعارات ومن المتاجرة بالقضية، ليس لزاماً على الخليجيين أن يقدموا أياً كان على مصالحهم وأمنهم القومي، وليس عليهم أن يتحدثوا عما قدموه لفلسطين عبر التاريخ، لأنهم قدموه للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، بغض النظر عن قادته.

صحيفة عكاظ
https://www.okaz.com.sa/articles/authors/2044358
12 أكتوبر 2020


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *