يتساءل الإعلام العربي والغربي، ولا يفهمون ما حدث، فليس له سابقة في المنطقة، لا على مستوى الحدث، ولا على حجم المقدمين للتحقيق في قضايا الفساد، ولا على حجم السرعة التي تسير بها المملكة العربية السعودية في قراراتها.

يأتي قرار مكافحة الفساد، وتوجيه التهم لعدة أشخاص، بعد أيام من إطلاق مشروع نيوم، مشروع لا مكان فيه إلا للحالمين كما يقول ولي العهد، ليظهر خلال أيام المؤتمر أول روبوت يحمل وثيقة وطنية في العالم، وهي روبوت سعودي الجنسية.

الأيام أصبحت سنوات وعقود بالنسبة للمملكة اليوم، فالإنجازات والمشاريع والخطط متسارعة، والمسارات السياسية والاقتصادية تسير بالتوازي. مملكة ليس من سماتها عدم التأجيل، بل الإنتهاء مما يتوجب عمله في الغد بالأمس، لكن بمسار مواز، هو قياس الأداء، وتصحيح الخطط ومعالجة الأخطاء إن وجدت.

ومعالجة الأخطاء تقتضي المحاسبة، وجلب الإستثمارات الأجنبية لمشروع نيوم ولمشروع البحر الأحمر وغيرهما من المشاريع، التي تقتضي تحسين الإجراءات القانونية، عبر تطوير المنظومة القضائية، بدءا بالقرار المهم وهو تحويل هيئة التحقيق والإدعاء العام إلى النيابة العامة في يونيو/ حزيران الماضي.

وبالتالي جاءت إجراءات النيابة بالتحقيق مع ما يزيد على مئتي متهم في قضايا فساد وإستيلاء على مال عام ونحوها، لتمثل مطلب حقيقي لأي اقتصاد صحي في الدول المتقدمة، بل وبدأت النيابة العامة من قضايا السنوات الماضية التي كبدت السعودية مليارات كثيرة، ليكون الإنتقال للمستقبل خاليا من أي شوائب.

زيادة على ذلك، ذهبت الإرادة السياسية لجعل مسطرة العدل فوق الجميع، لا يستثنى منها أمير أو وزير، فدولة القانون لا يوجد بها شخص دون القانون، هذا الأمر عبر عنه الملك سلمان يوما، وعبر عنه مؤسس الدولة السعودية الثالثة الملك عبدالعزيز، والذي اشتكاه مواطن لدى القضاء، هذا هو التدرج الطبيعي والتاريخي لأساس الحكم وهو العدل، فإن غاب في فترات أو تراخى فهو يعود بكل حزم، في عهد ملك الحزم.

النائب العام تحدث عن أن تكهنات كثيرة في العالم، برزت حول هويات الأشخاص الخاضعين للتحقيق، وتفاصيل التهم الموجهة إليهم، وذكر أن النيابة لن تذكر أي تفاصيل شخصية في هذا الوقت لضمان تمتعهم بالحقوق القانونية الكاملة بموجب النظام في المملكة، وطلب احترام خصوصيتهم خلال خضوعهم للإجراءات القضائية، مؤكدا أن التحقيقات لا تمس الكيانات التي يملكونها أو لديهم حصص ملكية فيها، وأن التجميد لن يطال حساب الكيانات بل الحسابات الشخصية فقط.

هناك في الإعلام الخارجي من تفهم هذه الرسالة، والربط بينها بطريقة منطقية، تكمل فيما بينها إيجابية الصورة من السعودية، لكن الآخرين حاولوا أن تكون قراءة المشهد السياسي من الزاوية السياسية الضيقة، وغير الدقيقة في حقيقة الأمر.

البعض في الصحافة البريطانية على سبيل المثال، حاول تصويرها بسعي ولي العهد لإكتساب مزيد من النفوذ والقوة، ولا أدري حقيقة لماذا يحتاج ولي عهد ونائب لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع المزيد من النفوذ السياسي، وذهب البعض الآخر إلى أن هذه القرارات تمنحه مزيدا من الشعبية في الشارع، وهذا أمر صحيح، لكن المزيد من الشعبية التي تأتي من مكافحة الفساد، هي إضافة إلى الرصيد الموجود من شرعية الإنجاز.

مكافحة الفساد في حقيقة الأمر هي شأن داخلي وخارجي على حد سواء، فهي أقوى سلاح تشتريه لتحصن به وطنك، وهي أيضا من أكثر ما يخيف أعداءك، بل ويخيفهم مرتين، مرة لأنك حصنت جبهتك الداخلية وزدت من إلتفاف الشارع حولك، والمرة الأخرى لأنك تشرخ الأنظمة الفاسدة من الداخل، لأن الأنظمة الشمولية والثيوقراطية التي تعيش على الشعارات، تدرك أن بين كل لبنة ولبنة من جدارها أكوام من الفساد، وإزالة الفساد بالنسبة لها بمثابة هدم للبنيان.

صحيفة نيوزويك الشرق الأوسط الإلكترونية

رأي: سلاح السعودية الأقوى هو مكافحة الفساد http://ar.newsweekme.com/%d8%b1%d8%a3%d9%8a-%d8%b3%d9%84%d8%a7%d8%ad-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d8%b9%d9%88%d8%af%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%82%d9%88%d9%89-%d9%87%d9%88-%d9%85%d9%83%d8%a7%d9%81%d8%ad%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%81

الأحد 12 نوفمبر 2017


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *