قنابل سعودية

الأصل هو الأمن والأمان، والخوف هو الطارئ، ولهذا ولج إلى نفوسنا بعض الخوف بعد تفجيرات القديح والدالوة والعنود، ثم شعرنا بالأمان المشوب بالقلق عند مشاهدة كثافة السيارات الأمنية عند المساجد، فبمقدار ما تبث الرعب في نفوس الإرهابيين تشعر بالقلق، إذ إن المشهد غير معتاد.

ومن الطبيعي في أي مكان في العالم أن تجد احتياطات أمنية لدى مبان حكومية، أو مصارف أو مقار بعثات ديبلوماسية، ولكن الإرهاب المتوشح – للأسف – باسم الدين، والدين منه براء، حاول تحويل المساجد، التي هي مكان الأمان والعبادة، إلى أماكن خوف.

الأماكن المضطربة، وخصوصاً سورية والعراق، استقطبت عدداً من الشباب السعودي بغرض الجهاد، بعضهم استفزتهم المشاهد الطائفية لجيش بشار الأسد وميليشيا حزب الله والميليشيات في العراق، وبعضهم ضللهم مشايخ التكفير والجهاد ودعوهم إلى النفير، فكانوا حطباً لمعركة سياسية، ووبالاً على أهلهم وأوطانهم.

ولكن، الأخطر أن هؤلاء الشباب قرروا أن الجهاد أولى في السعودية، بل رأوا أن قتل الأقربين أعظم أجراً، ولاسيما إذا كانوا من رجال الأمن، وآخرها ذاك الإرهابي الذي قتل خاله الذي يعوله هو وأمه، ثم ذهب ليفجر نفسه عند نقطة أمنية! ولأن الأمان هو المستهدف، كان استهداف الحسينيات ورجال الأمن، وهنا تلمس تأثير الذهنية الإيرانية في إدارة معركة العراق مثلاً.

إذ إن استهداف فصيل من المجتمع يحقق الاحتقان الطائفي، الذي يوجِد شرخاً في المجتمعات، ولهذا تسعى إيران إلى تفجير مزارات شيعية في العراق وسورية، ما أدى في العراق على سبيل المثال إلى القتل على الهوية، بل شهدت بغداد في الشهور الأخيرة تغيير عدد من المواطنين أسماءهم «السنية»، خوفاً من تصفية طائفية.

بيان الداخلية بين أن العمليات التي أُحبطت أكثر من التي تمت، وكانت تستهدف مساجد أيضاً، وكان لافتاً حرص تنظيم داعش على بث فكرة الرعب، عبر السعي للقيام بثلاث تفجيرات متزامنة، في السعودية والكويت وتونس، ولكن الله سلم وأُحبط تفجير السعودية، هذه الفكرة موجودة في طريقة حرق معاذ الكساسبة، وفي ممارسات داعشية كثيرة، مستلهمين ممارسات التتار عبر استخدام الرعب سلاحاً.

وجود أكثر من 400 شخص في شبكة عنقودية هو أمر ضخم، وتفكيك هذه الخلية والقبض عليها هو إنجاز أمني مهم، الإنجازات الأمنية مرتبطة بالأمن المعلوماتي، والأمر لم يعد مواقع تُحجب أو كتاباً يمنع، بل أصبح الخطر موجوداً عبر كل الشبكات الاجتماعية، ولأن تجنيد «داعش» هو نقيض الوعي، فقد أصبحت الشريحة المستهدفة هي الشباب دون الـ20 عاماً، واستخدم للتواصل معهم أدوات تجاوزت الإعلام إلى الألعاب.

إذ تجد آلاف الرسائل من «داعش» إذا كنت تمارس إحدى ألعاب الحرب، فستجد رسائل تأتيك من نوع «ما رأيك أن تجرب القتل حقيقة»، وعدداً من الرسائل التي تلعب على عنفوان المراهقة، وهنا تصبح مسؤولية الأسرة أكبر، فحظر المواد العنيفة عبر الأفلام والألعاب لم يعد ترفاً، وعلى أقل تقدير تخفيف جرعات العنف، لأن جرعات مشاهد العنف تجعل الذهن محفزاً للعنف، ومن ثم مهيأً للتجنيد، واليوم تدرك الأسر أن مجندي «داعش» الصغار يبدؤون بقتل القريبين قبل الآخرين.

ختاماً، لا يوجد موضوع في الإرهاب استهلك أكثر من تجديد الخطاب الديني، وكأنما يراد له أن يلاك حتى يُمج، ولعل بيان الداخلية مؤشر لندرك أن بين ظهرانينا أكثر من 400 قنبلة موقوتة، ناهيك عمن لم يُكشف عنه، ومن ثم فالخطاب الواضح الحازم في ما يخص الإرهاب، هو واجب على قادة الرأي والدعاة وكل ذي منبر، فنحن نعيش حرباً حقيقية ضد الإرهاب، والصمت عن نقد الإرهاب هو رأي أيضاً.

 

صحيفة الحياة

http://alhayat.com/Opinion/Abdulrahmaan-Al-Toriri/10077967

الاثنين 20 يوليو 2015


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *