في كانون الأول (ديسمبر) 2010 احترقت عربة البوعزيزي في تونس، مؤذنةً بظهور الموجة الثانية من الفوضى الخلاقة، بعد الموجة الأولى التي تمثلت في احتلال العراق 2003، والتبشير بزرع الديموقراطية عنوةً في أرض الرافدين، هذا -على الأقل- كان العنوان الأخَّاذ الذي استخدمه جورج دبليو بوش، مع مشهد الاستقبال بالورد الذي روج له أحمد الجلبي، ولكن الواقع أن ما حدث هو تدمير كيان الدولة عبر حل الجيش النظامي واجتثاث البعث، واتضح أكثر مع تطور الأحداث في العراق، إلا أن ما حصل هو تسليم شؤون العراق للإدارة الإيرانية، هذه كانت الإرادة الأميركية لمستقبل العراق، وإن كانت إيران تلعن أميركا صباحاً، وتتعاون معها بسرية مساءً، قبل أن يكون التعاون علناً، كما يحدث اليوم في الحرب على «داعش»؛ فإيران ليست من ضمن التحالف، ثم تخرج طائراتها لتضرب التنظيم في العراق، ويعلق الأميركان: نعم شاركوا لكن من دون تنسيق.

شهر أيلول (سبتمبر) الماضي مثَّل تغيراً كبيراً في الساحة الإقليمية، ربما هي الأكبر بعد ثورات 2011، إذ بدأت الضربات الجوية على «داعش» في 20 سبتمبر، وفي اليوم التالي احتل «أنصار الله» الحوثيون العاصمة صنعاء، في سهولة لافتة، تبين مع تلاحق الأحداث أن علي عبدالله صالح هو السبب في السقوط السريع لصنعاء، في حلفه الجديد مع الحوثيين.

حَدَثَا سبتمبر يبدوان شديدي التماسِّ مع السعودية، إذ كانت السعودية أول المشاركين في ضرب «داعش» عسكرياً عبر التحالف الدولي، وأول من ضربه معنوياً عبر وضعه هو وحركات إرهابية أخرى على قوائمها للإرهاب في آذار (مارس) 2014، وبالطبع العناصر السعودية ضحية التسليط الإعلامي من «داعش»، إما من أجل التجنيد أو الدعاية، على رغم أن السعوديين ليسوا من أكبر الجنسيات في هذا التنظيم.

«داعش» بالطبع كان ينتهج في أدبياته للتجنيد، نصرة سنة سورية من بشار الأسد وبطشه، إذن كان خطاباً طائفياً للجمهور السني المحتقن من جرائم الأسد في سورية، وبالطبع الصمت الغربي عن ممارساته وما يصل لدعم بقائه، وعلى النقيض كانت دوماً بوصلة عمليات داعش تستهدف السعودية، ونذكر عملية «الدالوة» بالأحساء، ثم الاعتداء على مقيم غربي على طريق الرياض-الخرج، وأخيراً الهجوم الإرهابي الذي استهدف مركز «سويف» على الحدود السعودية العراقية، ويزيدنا عجباً تجنب «داعش» الحدود الإيرانية، الداعم الرئيسي لنظام بشار.

إذ يبلغ طول الشريط الحدودي بين اليمن والسعودية 1458 كيلومتراً، ويوجد في اليمن فصيلان لهما اعتداءات سابقة على السعودية، أولهما الحوثي صاحب الكلمة الطولى في اليمن اليوم، وهو فصيل وثيق الصلة بإيران، تلقى دعماً وتدريباً من الحرس الثوري، وسبق له الاعتداء على الحدود السعودية في 2009.

والفصيل الآخر هو تنظيم القاعدة، الذي يشاطر السعودية العداء لداعش منذ ظهوره، وسبق لفرع اليمن الاعتداء على منفذ «الوديعة» ومبنى حرس الحدود في محافظة «شرورة» رمضان الماضي (يوليو) 2014، إضافة إلى خطف ديبلوماسي سعودي في نيسان (أبريل) 2011 والقائمة تطول، وبالطبع ينشط تنظيم القاعدة حالياً في مناطق يمنية عدة، على رأسها «البيضاء»، حيث يدفع الحوثيون بطائفيتهم مناطق الشوافع؛ لتكون حاضنة للقاعدة، وأخيراً أعلن التنظيم مسؤوليته عن الاعتداء الأخير على صحيفة «شارلي إيبدو» بباريس.

حدث باريس بلا شك أعاد إلى الأذهان كلمة الملك عبدالله للسفراء، وتحذيره إياهم من أن الإرهاب سيصل إلى أوروبا خلال شهر وإلى أميركا خلال شهرين، وقد حاول مذيع «بي بي سي» بخبث أن يسألني عقب كلمة الملك، هل الملك يحذِّرهم أو يطلب دعمهم، وأجبته بأن السعودية لا تحتاج إلى دعم أحد في مكافحة الإرهاب؛ لقوة الأجهزة الأمنية ومتانة الحدود وقبل ذلك كله الوعي الشعبي.

هنا ربما نلمس موطن الخلل في التفكير الغربي وتعاطيه مع الإرهاب، إذ يعتبرون السعودية جزءاً من المشكلة؛ لأنها الدولة السنية الأكبر، ويعتبرون إيران جزءاً من الحل لبراجماتيتها المعهودة، وعليهم أن يعودوا بالذاكرة إلى من جنَّد ودعم وغض النظر ولم يحاسب من قام بتفجير الخبر 1998، ومن رعى الإرهاب واحتوى عناصر «القاعدة» بعد ضرب أفغانستان 2003؟ من صدّر «القاعدة» إلى العراق عبر سورية؟ بل من حاول اغتيال السفير السعودي في واشنطن؟ والقائمة تطول لكن الفكر يقصر.

 

صحيفة الحياة

http://alhayat.com/Opinion/Abdulrahmaan-Al-Toriri/6786815

الأثنين 12 يناير 2015


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *