هل انتصرت حماس ؟

وضعت الحرب أوزارها وصواريخها، لم تكن حربا طويلة فالظروف العالمية لا تسمح بذلك، ولا تسمح بتعكير صفو المفاوضات الأمريكية الإيرانية في فيينا، وإن كانت الحرب في إحدى صورها جزءا من المفاوضات.

لم تكن شرارة الحرب وما حدث في الشيخ جراح دافعا كافيا للحرب، لولا الحاجة السياسية لحماس ونتنياهو لخوض الحرب، وبدرجه أقل حركة فتح.

فالرئيس عباس يحتاج مبررا لتأجيل الانتخابات بعذر أن إسرائيل لم تسمح بها في القدس، ونتنياهو يحتاج الحرب لتعزيز فرصه في حسم انتخابات خامسة تبقيه في منصبه، بعد أربعة انتخابات لم يتمكن خلالها من إقناع الناخب الإسرائيلي.

الحديث عن القضاء على البنية التحتية لحماس، يعني أنه رفع من مستوى الأمان للمواطنين، والحصول على أسلحة نوعية بقيمة 730 مليون دولار من واشنطن، يعطي نتنياهو نقاطا إضافية في الداخل الإسرائيلي.

من ناحية عسكرية، تعد الحرب بروفة إسرائيلية للتأكيد على جهوزيتها للسيناريوهات الأسوأ، خلال صراعها مع إيران التي تدفع إدارة بايدن بقوة لرفع العقوبات عنها، وقد جُرب هذا السيناريو جزئيا عبر إطلاق صواريخ من الجبهة الشمالية في سوريا ولبنان، بالتزامن مع المعركة الجنوبية مع غزة.

حماس -من جهتها- عبرت عن المصلحة الإيرانية في الحرب بشكل فج، حيث خرج إسماعيل هنية لشكر إيران على تقديمها السلاح للمقاومة، رغم إدراكه بأن هذا التصريح يقضم ما تبقى من رصيد حماس في المنطقة.

فطهران اليوم لا يريد أي عربي أن يربط اسمه بها، فهي انحدرت إلى قاع صورتها بعد فظائع نظام الأسد، وارتباطها بالدمار والفساد والتخلف في العراق ولبنان واليمن.

حماس أيضا حققت مصلحة إسرائيلية، عبر ترسيخ حالة الانقسام الفلسطيني جغرافيا وسياسيا، وتكريس فكرة غياب وحده كلمة فلسطينية تؤدي إلى جدية في البحث عن السلام، وبالتالي يعفي إسرائيل من سلام ليس من مصلحتها الهرولة نحوه، وكل فرصة سلام تأتي بحقوق أقل للفلسطينيين عبر الزمن.

أرادت إيران من حماس أن تكون صاحبة الرد على ضرب إسرائيل لموقع نطنز النووي، وليكن الثمن دماء الفلسطينيين ومنازلهم، الأهم أن تصل الرسالة لتل أبيب بأن الخط الأمامي لإيران في غزة وجنوب لبنان.

والهدف الأهم لإيران من هذه الحرب محاولة إعادة موضَعَة إسرائيل كعدو للعرب، وهو ما تأثر بالاتفاقات الإبراهيمية بين إسرائيل من جهة والإمارات والبحرين من جهة أخرى، وامتد ليشمل المغرب والسودان.

يبقى السؤال هل انتصرت حماس، وفي الحسابات العسكرية تقيم الإجابة بعدد الخسائر البشرية وفي البنى التحتية، وتقيم الانتصارات بالمكتسبات السياسية، مثل استعادة أرض أو استقلال مادي أو حق استخدام الموانئ، ولكن في منطقة الروحانيات، يكون النصر ربانيا وروحانيا وإلهيا، كما أخبرنا نصر الله في 2006 حين تسبب في مقتل 1200 لبناني وتدمير البنية التحتية، وكذلك فعل هنية بعد أن تم ضرب عدة أهداف في غزة والتضحية بمئات القتلى، ولا يعرف الشعب المضيوم أين سيصرف الروحانيات ويجلب زيتا وخبزا.

صحيفة عكاظ
https://www.okaz.com.sa/articles/authors/2069537
24 مايو 2021م

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *