مسرحية قطر.. بلا ستار

قدم عبدالملك الحوثي قائد ميليشيا الحوثيين بعرض للمملكة العربية السعودية، بإطلاق أسيرين سعوديين مقابل إطلاق المملكة أسرى ينتمون لحركة حماس كما يدعي، وهي خطوة مستغربة، حيث جرت العادة أن يكون تبادل الأسرى أو رفات الموتى بين الطرفين مباشرة.

وهنا يأتي السؤال لماذا شعر الحوثي بأن إطلاق سراح أشخاص من حماس أهم من عناصر حركته الحوثية؟ ولماذا أصبحت القضية الفلسطينية ملحة لديه، كما يزعم في خطابه المرافق لهذا العرض، وهو الذي قام بتسهيل خروج يهود يمنيين من صعدة إلى تل أبيب، دون أي اعتبار للصرخة “الموت لأميركا.. الموت لإسرائيل”؟

إذا عدنا إلى هذه الحادثة نجد أن يهودا يمنيين من صعدة غادروا في العام 2015 عبر طائرة للخطوط القطرية، توقفت في الدوحة قبل أن تتجه إلى إسرائيل، ولا عجب ففي هذا العالم العربي لا توجد دولة تتغنى بالفضائل، وتتهم خصومها بصفقة القرن، وهي أوثق الدول علاقة بإسرائيل، إلا قطر حمد بن خليفة.

تنتقل إلى قناة الجزيرة، فترى عرضا باهتا، عدة أشخاص يحملون لافتات تطلب من المملكة إطلاق سراح مجرمين من حماس، لا تظهر على وجوههم أي علامة من علامات الحزن، كل ما يظهر أنهم ينتظرون انتهاء المشهد مدفوع الأجر، وتنظر إلى الشريط الإخباري فلا تجد إلا عدد مصابي كورونا في دولة الإمارات. هذا الحقد يمنع الدوحة من ذكر مصابي كورونا في إسرائيل وإيران وتركيا. حتى جائحة كورونا لم تستطع أن تمنح نظام قطر بعض الحياء، أما الحوثيون فقد هاجموا السعودية بصواريخ على الرياض وجيزان، وقبلها تم إطلاق طائرات مسيّرة على جنوب المملكة. أين هذا من صفقة تبادل الأسرى، أو من تهدئة دعا لها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، واستجاب لها التحالف العربي؟

ويتضح أولا أن قطر حاضرة في المشهد، عبر محاولتها الزج بحركة حماس في المشهد اليمني، وهي التي استضافت رئيس الموساد، يوسي كوهين، مطلع شهر فبراير الماضي، والذي طلب الاستمرار في تمويل حماس حتى بعد نهاية مارس، واستمرار الاستثمار في شق الصف الفلسطيني.

وكشف وزير الدفاع السابق ورئيس حزب “إسرائيل بيتنا”، أفيغدور ليبرمان، في حديث للقناة الإسرائيلية 12، أن رئيس الوزراء أوفد رئيس الموساد إلى قطر لمواصلة دعم حماس، والتقى الوفد بمحمد المسند رئيس الاستخبارات القطرية وبمستشار أمير قطر للأمن الوطني.

وقد غرد الصحافي الإسرائيلي أتاي بلومنتال عن مسار طائرة خاصة خرجت من الدوحة، لتحط لفترة وجيزة في قبرص، قبل أن تنطلق منها إلى تل أبيب، وكانت الطائرة لم تمكث لفترة طويلة في الدوحة، وعلق على ذلك قائلا “كم تحتاج من الوقت لتحمل حقائب ملآى بملايين الدولارات”.

ويبدو أن حماس سألت عن ثمن هذا الدعم، فكان الربط بالمشهد اليمني هو الفكرة التي حضرت، لكن من جانب آخر يبدو المشهد الحوثي مضطربا، فلماذا يُقدم الحوثي على تصعيد عسكري مع السعودية، في وقت يعيش فيه العالم حالة ترقب لنتائج انتشار فايروس كورونا، وهو الذي خاض تجربة لم تكن ناجحة مع الكوليرا؟ وهنا يبدو تأثير الذهنية الإيرانية، التي رأت في كورونا فرصة لتحريك الملف اليمني، للتقليل من الزخم الذي حققته الرياض بموقفها المسؤول في عقد قمة افتراضية لدول العشرين، والتي تلتها عدة انفراجات منها اتصال بين الرئيسين الأميركي والصيني. طهران ترى في الأزمات فرصة للعبث لا فترة سانحة للسكون، رغم أنها تشهد عشرات الآلاف من المصابين المعلنين، ولا يشك أحد في أن إيران تخفي الكثير من أرقام المصابين، ولكن عبثية إيران تؤكد دائما مقدار وهنها.

تستمر إيران عبر الحوثيين في بث الرسائل المتناقضة، حيث تعودنا أن نسمع روايات متناقضة من طهران حول حرصها على أمن دول الجوار، ولكن لا أحد يتدخل في دول الجوار سواها، ثم الادعاء بأن العقوبات الأميركية هي ما يمنع طهران من التصدي لكورونا، ثم فضحها حديث للرئيس حسن روحاني بثه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، يقول إن النظام الإيراني يريد الأموال من أجل قياداته لا من أجل التصدي لكورونا. فقد خرجت وول ستريت جورنال بعنوان غير دقيق حول دعوة سفير المملكة إلى اليمن، محمد سعيد آل جابر، للحوثيين إلى الرياض لإجراء محادثات، ما أوحى بأن الطلب تلا الهجمات الفاشلة على الرياض وجيزان، والذي استدعى ردا من التحالف باستهداف عدة مواقع في صنعاء.

وفي هذا تزييف للحقيقة والتي مفادها أن المملكة رحبت بدعوة غوتيريش للتهدئة قبل الهجمات الأخيرة، ضمن دعوات الأمين العام لوقف المعارك في كل مناطق النزاعات للتصدي لجائحة كورونا. ولكن الحوثيين لم تمنعهم الكوليرا سابقا، بل كانت الميليشيات تسرق الأدوية المقدمة من المنظمات، ولا يمكن تصور أن كورونا يمكن أن تردعها اليوم.

ويعرف عن السعودية أنها ترحب دائما بالحلول السياسية، وقد كانت عرابة المبادرة الخليجية في العام 2011، وحاولت تجنيب اليمن حمام الدم السوري والليبي، ثم باركت اتفاق السلم والشراكة الذي جاء به الحوثيون بعد دخول صنعاء في العام 2014، لكن الحوثي لم يعتبر الاتفاقات السياسية إلا شراء للوقت، وهذا ما جرى في كل الاتفاقات وصولا لاتفاق ستوكهولم.

الموقف القطري في اليمن توجزه تغريدة وزير الإعلام اليمني الذي قال “ندعو قطر وقناة الجزيرة التي أصبح موقفها واضحا في التماهي مع المشروع الإيراني باليمن وأداته الحوثية التي ارتمت، بدورها، في أحضان الدوحة للحصول على الدعم السياسي والإعلامي، لمراجعة سياساتها والنأي بنفسها عن مستنقع الدم اليمني الذي يوغل فيه ملالي إيران..”.

أما قطر فقد شاركت في يوم المسرح العالمي بمسرحية هزيلة، أجمل ما فيها أنها كشفت علاقتها الأزلية بجماعة الحوثيين منذ العام 2004، والتي توقفت جزئيا لبعض الوقت ثم عادت لحميميتها.

صحيفة العرب
https://alarab.co.uk/%D9%85%D8%B3%D8%B1%D8%AD%D9%8A%D8%A9-%D9%82%D8%B7%D8%B1-%D8%A8%D9%84%D8%A7-%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D8%B1
الخميس 2 أبريل 2020

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *