الجمهوريات السورية

أجرت قناة ARD الألمانية حوارا مع بشار الأسد في مارس الماضي، وسأله الصحفي عن حلب حيث قال: قبل سنتين، كان هناك وقت يتعرض فيه الجيش السوري للهزيمة، ولم يكن قوياً جداً، في القصير على سبيل المثال على الحدود اللبنانية، ثم رأينا حزب الله يتدخل الآن، مع نهاية السنة الماضية، كنتم على وشك خسارة حلب، ثم رأينا الروس يأتون لمساعدتكم، ثم نرى عدداً كبيراً من المقاتلين والمستشارين من إيران. ما الذي تطلبه هذه القوى منكم مقابل مساعدتها؟
وبعيدا عن إجابة بشار الأسد والتي دارت حول الإرهاب، وأنها حرب صعبة يكسب فيها معركة في مكان ويخسر أخرى في مكان آخر، إلا أن السؤال عن المقابل الذي يقدمه نظام الأسد لداعميه مهم لتفسير شكل سورية اليوم، هذا إن كان ما زال لديه ما يستطيع تقديمه، لكن المضحك كانت عبارته التي ختم بها إجابة هذا السؤال قائلا: «كل أصدقائنا يحترمون سيادتنا ولا يطلبون منا شيئاً بالمقابل».
وأنا متأكد أن حلفاء الأسد خصوصا روسيا لا يطلبون منه شيئا، فروسيا تنفذ ما يحلو لها وهو جزء من أجندتها الجديدة في المنطقة، وما رمزية مفاجأة الأسد بوجود وزير الدفاع الروسي في مقر إقامته، إلا دلالة بالغة على أنه بيدق على رقعة الشطرنج، تستخدمه روسيا كورقة ضغط لتكييف شكل سورية المستقبل مع رؤيتها.
روسيا منذ بداية العام وهي تتخذ المفاوضات في جنيف 3، كخدعة لشراء الوقت وتقطيع سورية بالشكل الذي تريده، مستفيدة من إسقاط تركيا لطائرة السوخوي الروسية، وبالطبع من آمال أوباما بأن تكون سورية مستنقعا لروسيا، متبعا ذلك بتقدير أن داعش ليس خطرا على أمريكا، وبالتالي يظل الموضوع السوري مغناطيسا لكل أعداء أمريكا، دون أن تبذل عناء وكلفة الحرب.
ومن أمريكا أيضا أعلن رئيس المخابرات المركزية الأميركية، جون برينان، أنه لا يعرف ما إذا كان يمكن أو لا يمكن عودة سورية موحدة مرة أخرى، وهو ما يعني ضمنا أن أمريكا وقبلها تركيا رضخوا للرؤية الروسية لسورية المقسمة، فلم تكن خطوات تركيا بالاعتذار لروسيا وإسرائيل قبيل الانقلاب، إلا دلالة على أن الخناق الذي فرضته روسيا على تركيا بعد إسقاط الطائرة أتى أكله، كما أن تصريح رئيس الوزراء التركي يلدريم حينها عن عودة العلاقات الطبيعية مع النظام السوري والعراقي يأتي في نفس السياق.
معركة حلب التي كانت تتم بالتوازي مع المفاوضات الفاشلة في جنيف، كانت المعركة المفصلية لفصل سورية المفيدة كما يطلق عليها، والتي من المرجح أن تكون الجزء الخاضع لنظام الأسد، والممتدة من الحدود مع لبنان وتضم حمص والساحل الغربي وكذلك غرب حلب.
معركة حلب وضع فيها حزب الله وإيران ثقلهم، بشكل ربما لم يسبقه إلا معركة القصير، والروس كثفوا ضرباتهم الجوية ولم تسلم من ضرباتهم حتى المدارس والمستشفيات كما أشارات منظمة «أطباء بلا حدود»، وكانت هذه المعركة مع ما سبقها من معارك منذ التدخل الروسي، بالإضافة إلى سياسة التجويع ومنع دخول المساعدات الإنسانية، يمثل ترسيما لحدود الجمهورية الأسدية من سورية.
ما ذكره جون برينان مرتبط أيضا بمعارك الأكراد مع داعش، ومحاولة ربط مناطقهم غير المترابطة كما في الحالة العراقية، والذي سيعتمد مستقبله كثيرا على تنسيق روسيا وتركيا، وذلك خلال زيارة أردوغان لروسيا في التاسع من أغسطس الجاري.
الروس يسارعون الخطوات لإنهاء معركة سورية، والاتفاق على شكلها عبر التنسيق مع الولايات المتحدة، وإن بدا واضحا أن لا أحد يثق بالروس حتى الأمريكان، لكن الجميع مضطر للتعامل معهم، لأنهم في نهاية الأمر المتحكم الأكبر في المعركة على الأرض، كما أن الروس لا يريدون البحث عن احتمالات ساكن/ساكنة البيت الأبيض الجديد، كما أن الانخفاض في أسعار النفط أنهك روسيا كما باقي الدول النفطية، وبالتالي لا تستطيع اقتصاديا الاستمرار في المعركة إلى الأبد.
تبقى سورية هي المعركة الأهم في الإقليم، وما يحصل في سورية ينعكس على العراق ولبنان واليمن وإيران بالنتيجة، ويبدو أن تجاوز التقسيم أصبح أمرا عصيا بعد ست سنوات، قتل فيها بشار الأسد نصف مليون سوري، وشرد ما يقارب نصف الشعب، كأكبر ماسأة في التاريخ الحديث منذ الحرب العالمية الثانية، والتقسيم الثاني للدول العربية القطرية بعد السودان.
11 سبتمبر يوم لا ينسى في ذاكرة الأمريكان، فهو يوم ماسأة وصدمة ورعب خصوصا لأهل نيويورك، لكن 11 سبتمبر 1965 هو يوم أسود في تاريخ العرب، لأن أمينة مخلوف ولدت فيه بشار الأسد.

 

صحيفة عكاظ

http://okaz.co/bwKUndJuT

الاثنين 1 أغسطس 2016

 

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *