نصر الله وأزمة الجزء والكل

خرج السيد حسن نصر الله في كلمة متلفزة ليرد على قرار السعودية بوقف الهبة الممنوحة للجيش اللبناني والأمن العام، وليعلق على ما قام به أنصاره من حرق إطارات بالقرب من السفارة السعودية وقنوات إم بي سي، وقطع الطرقات وأحداث الشغب قد أعقبت الفيديو الساخر الذي بثته قناة إم بي سي، الذي سخر من زعم السيد نصر الله باستقلال قراره عن إيران.
ورغم كل الحديث المتكرر الذي يسعى من خلاله إلى تأكيد حرصه على استقرار لبنان، وأن إيران لا شأن لها بالشغور الرئاسي في لبنان الذي بلغ شهره الـ 22، لكن الشواهد على الأرض تؤكد لمن لم يتأكد بعد، أن حزب الله يمثل المعهد العسكري والإعلامي لإيران، الذي يسهم في تدريب الإرهابيين في البحرين واليمن، وزرع الخلايا وتهريب المتفجرات وتجارة المخدرات، وكذلك إدارة آلة إعلامية للحوثيين وغيرهم من الضاحية.
في كلمة نصر الله حرص على أن يؤكد أن التحركات التي توجهت إلى القنوات التلفزيونية كانت عفوية، وقام بها محبون للسيد دون توجيه من القيادة العليا للحزب أو من قيادات الفروع والشعب، وهذا شيء يدعو للسخرية حقا فلا يمكن لحزب منظم ويتحرك كوادره بالأوامر المباشرة وله هرم إداري، أن يتحرك عناصره من تلقاء أنفسهم، وإن كانت حركة تلقائية فعلا فالأمر أسوأ للحزب حين لا ينصاع عناصره للأوامر.
لكن إنكار علاقة الحزب بتحرك عناصره يهدف إلى أمرين، الأول ارتباك واضح من وقف الهبة السعودية وما يدركه السيد من خطوات سعودية لاحقة، ومنها اعتبار حزب الله حركة إرهابية خليجيا وعربيا، وما يخشاه أكثر من خطوات غير متوقعة، وبالتالي يرغب في التهدئة على الأقل لحماية حلفائه في 8 آذار من أي أثر قد يصيبهم من غضبة السعودية، لكنه يؤكد أيضا أنه حتى بعد القرار لا بد من الحفاظ على قداسة السيد التي انتهكها البرنامج، وهو شبيه بالتحرك الذي حصل خلال مظاهرات «طلعت ريحتكن» إثر أزمة النفايات، التي حملت صور كل النخبة السياسية وطالبت بإسقاطهم، فخرج عناصر الحزب لإزالة صورة السيد من ضمن الصور والاستعاضة عنها بصور النائب محمد رعد، فما كان من الشباب اللبناني إلا أن غضب ورفع شعار «كلن يعني كلن».
في خطاب نصر الله غاب عنه بوضوح مسألة الكل والجزء في الصراع مع السعودية، صحيح أنه استثمار كبير ولديه عدد وافر من المقاتلين، بقي منهم عدد لا بأس به رغم الجثامين التي تعود كل يوم من سورية، وآخرهم القائد المسمى الحج علاء الذي ستكون وفاته مناسبة لحديث آخر الأسبوع القادم ليكمل هجومه على السعودية و«مشروعها العربي»، إلا أن حزب الله يظل جزءا من الصراع السعودي الإيراني، لا يختلف عن عناصر الحرس الثوري التي تشارك الحشد الشعبي معاركه الطائفية في العراق، أو تدرب الحوثيين في اليمن، أو تزرع خلايا التجسس في السعودية والكويت.
أيضا هو جزء من المشكلة في لبنان، لكن ما لم يفهمه أنه ليس جزءا من الحل، لأنه ببساطة مرتهن بالقرار الإيراني، إذا قد يُكلف بالحل ولكنه ليس بسيد قراره، مما يعيد أيضا فكرة اضطراب الجزء والكل لدى نصر الله، وهو ما يؤكد حالة الاضطراب التي يعيشها منذ صفعة عاصفة الحزم وما زالت.
أخيرا هناك مشكلة رئيسية لدى السيد وباقي أبواق إيران في المنطقة، وهي فشلهم في تسويق السعودية كشيطان أكبر بديل لأمريكا بعد الاتفاق النووي بين إيران ودول (5+1)، بل إن عبارات «التكفيريين» و«الإرهابيين» التي كانت تخص بتنظيمات تتبع السنة بزعمهم، انتهت مع ما فضحه الإعلام خلال الفترة الماضية، من العلاقة الواضحة بين إيران من جهة والقاعدة ووريثتها داعش من جهة أخرى، والأسوأ للسيد أن الحركات «الشيعية» المحسوبة على إيران أصبحت إرهابية وستعامل كذلك، وسقطت عنها ورقة توت المقاومة.

 

صحيفة عكاظ

http://okaz.co/bwKMpdDyd

الاثنين 7 مارس 2016

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *