ملائكة الضاحية وشياطين العبدلي

السعودية استبقت إعلان الاتفاق بتعزيز علاقاتها مع روسيا، والتي ستحتاج مزيداً من الوقت لبناء الثقة، حيث أن الذهنية الروسية تفترض الريبة، ثم تنتظر المواقف لتزيل أو تؤكد تلك الريبة، السعودية حرصت على تنويع تحالفاتها، وشهدنا زيارة وزير الخارجية لألمانيا، وكذلك زيارة ولي ولي العهد في رمضان الماضي لفرنسا.

بناء علاقات أكثر متانة عبر اتفاقيات متنوعه وليست عسكرية فقط، أمر غاية في الأهمية فالاستثمار اليوم في العلاقات هو ما يجلب المواقف الطيبة غداً ، وإن كان تنويع التسليح ضرورة عسكرية، لأنه يمنع فرصة لي الذراع والمماطلة في التزويد بالدعم وقطع الغيار لو كان السلاح من مصدر واحد.

كما أن السعودية رسخت علاقتها مع مصر عبر “اتفاق القاهرة” الأخير، والذي تم خلال زيارة الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد للقاهرة ولقاءه السيسي، على هامش تخريج دفعات من الكلية الحربية، والذي انعكس مباشرة على دعم مصري إضافي لحرب تحرير اليمن من الميليشيات الحوثية ، وانتشار قطع بحرية مصرية حول ميناء عدن.

السعودية وعبر “السهم الذهبي” صدمت إيران وحلفاءها، الذين ضنوا بأن التحالف العربي سيكتفي بالضربات الجوية، وعلى العكس من ذلك قامت المقاومة الشعبية المدربة بتحرير المدن اليمنية تباعا، مع قوات الجيش الشرعي مدعومة بقوات خاصة سعودية-إماراتية-مصرية، وقد تمكنت خلال أسابيع قليلة من تحرير أجزاء كبيرة من الجنوب اليمني، ويبدو أنه معركة تحرير صنعاء قريبة جداً، ومن المرشح أن تكون صعبه لأنها ورقة التوت الأخيرة لصالح والحوثيين.

إذن المملكة العربية السعودية تسعى ليكون مدى الحرب في اليمن أقصر ما يمكن ، وإذا ما حُرر ميناء الحديدة وكامل منطقة البيضاء، ثم تم تحرير صنعاء بأقل الخسائر ، فإن هذا سيُعد إنجازا عربيا كبيراً، وصفعه كبيرة لإيران التي استثمرت طويلا في الحوثيين، ليكونوا شوكة في خاصرة المملكة على أقل تقدير، ومحافظة إيرانية في أفضل الأحوال.

السعودية بتحركاتها الأخيرة كذلك تسعى لإنهاء معاناة السوريين، عبر إقصاء بشار الأسد وبراميله المتفجرة من المشهد، ليكون القضاء على داعش ممكنا عبر مؤسسات الدولة السورية، خلافا للخطاب الإعلامي المخادع من محور المقامرة، والذي يُزعم أن بشار يقاتل الإرهاب ، ومن المعروف أن الشاة لا تقتل أبناءها.

في سوريا السعودية تدعم المعارضة بنفس الدرجة التي تسعى من خلالها لإيجاد حل سياسي، مدركة أن سيطرة المعارضة على مناطق أكبر من سوريا، هو الدافع الوحيد لبشار وإيران وحزب الله للرضوخ لحل سياسي، لأن عكس ذلك وهو سيطرة حلفاء إيران على مناطق أوسع من سوريا، لن يقنعهم بحل سياسي لأن الظن لديهم سيكون أكبر بأن الحسم العسكري ممكن، ولو تحولت سوريا لمقبرة كبيرة.

السعودية تهدف من هذا التحرك في سوريا واليمن، لإنهاء سنوات عدم الاستقرار في المنطقة، والذي أثبت أنه يسمح لدولة مارقة كإيران بالتمدد في الدول العربية، ولإيجاد بيئة خصبة للإرهاب الذي لم يستثني أحدا، كما أنها باتفاق القاهرة وسعي مصر والمملكة معا لدعم تشكيل قوة عربية، إلى التقدم خطوات في سبيل مستقبل مستقر للمنطقة، خصوصا وأن مستقبل المنطقة سيعتمد على أن تحمي دول الإقليم نفسها.

كل هذا التغيير في المنطقة والذي أفسد فرحة الإيرانيين بالإنفاق النووي، ناهيك عن قلق الانتظار لقرار الكونجرس في سبتمبر المقبل، دفع إيران ومحورها للتحرك في المنطقة باعتبار المواقف المشتركة للخليج والعرب هي الجدار المانع لطموحات إيران التوسعية، وهذا ما ذكرته في مقال سابق بعنوان “شطر الخليج لمصلحة عدوين”.

فكما أن إيران تعول كثيرا على عمان بإيجاد مخرج لحلفائها في اليمن، فقد حاولت تكثيف اتصالاتها مع قطر والكويت، وزيارة وزير الخارجية جواد ظريف للبلدين، مصرحا أن إيران تمد يدها للخليج وأنها لا تسعى لمعاداة أحد، وقد كانت اليد الأخرى ممدودة للسعودية والبحرين عبر التفجيرات، والسعي المتكرر لتصدير أسلحة للبلدين سعيا لنشر الفوضى.

نصر الله سعى تذاكيا لتعزية الكويت على شهداء مسجد الإمام الصادق ، وهو الذي لم يعزي الشهداء الشيعة الذين قتلوا في السعودية، عبر تفجير الدالوة أو الحديق ربما لأنه اعتبرهم من شيعة السفارة، كما وصف خصومه الشيعة في لبنان الذين عارضوه في مواقفه حول سوريا والخليج ، وقبل أن يمر هذا الخطاب الساعي للتقارب مع الكويت ، والسعي لشق الصف الخليجي ، أتى كشف الداخلية الكويتية عن ضبط كميات ضخمة من الأسلحة في العبدلي، وعلاقات لمنسوبي الخلية بحزب الله اللبناني، ليحيي في الأذهان ذكرى طائرة الجابرية والقيادي في حزب الله عماد مغنية.

المتابع لإعلام محور المقاومة مؤخرا يجد النغمة الوحيدة التي يعزفون عليها هي شطر رؤية الخليج التي توحدت في العوجا، يحاولون أن يظهروا موقفا مختلفا لقطر والكويت يتمايز عن الموقف السعودي الإماراتي البحريني، ورغم أن الاختلافات واردة إلا أن “العوجا” وحدت الأهداف الرئيسية حول اليمن وسوريا، والعدو المشترك بالنتيجة، وما اكتشاف خلية العبدلي وكميات الأسلحة التي تكفي لجيش، بعد كل الغزل من إيران وحزب الله، إلا دلالة على أن الشياطين تبقى شياطين ولو استعارت عبارات الملائكة.

 

الموقع الشخصي

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *