في 2011 العام المميز في سخونة أحداثه، وما حدث من تغيير في بعض الأنظمه أو رتوش تغيير، لم تكن السعودية بمنأى عن بعض هبوب ريح، وكان الحدث الأبرز ما أطلق عليه “ثورة حنين”، بالتزامن مع محاولة قلب النظام في البحرين، وهو حلقه من حلقات المماحكه الإيرانيه، بعد حلقة الحوثيين.
والسعودية كأغلب الدول العربيه، يتصارع فيها تياران أحدهم ديني والآخر ليبرالي في الغالب، والتيار الديني كما في اغلب الدول العربيه أكثر تنظيما وبراغماتيه. التيار الديني الذي كان مهيمنا في الثمانينات، أراد جاهدا إستعادة نفوذه الذي تراجع منذ الحادي عشر من سبتمبر،مُنحت على إثرها بعض الحقوق للمرأه، مثال ذلك ما حدث في كلمة خادم الحرمين الشريفين –حفظه الله-أمام مجلس الشورى، وعلى رأسها حق المشاركة في المجالس البلدية ومجلس الشورى.
هامش حرية الصحافة ارتفع كثيرا، وأصبح بالمقدور إنتقاد أجهزة الدوله متى ما قامت بأي تقصير في الخدمات، ووصل بالطبع النقد لجهاز الهيئة والذي كان سابقا شبه معصوم، رغم تجاوزاته التي لم تخف على أحد. وهناك أمور عدة تنمي الوعي في أي مجتمع، كالعلم والآداب والفنون، لمست جميعها خطوات للتقدم في العقد الآخير،لا سيما الإبتعاث، وبعض الفعاليات الثقافيه، ولو كان بإستحياء وتزامنا مع الأعياد فقط، ومنها بعض المسرحيات والعروض الفنيه، والاقبال الملحوظ على معارض الكتاب مؤخرا، بالتوازي مع زيادة مضطرده في الانتاج الأدبي السعودي، وجميع مظاهر الوعي السابقه تغضب التيار الديني بالطبع.
وقد سعى التيار الديني حثيثا لاستعادة سلطته ووجد في ثورة حنين فرصة سانحه، وكأن أشدها وضوحا في خطبة العريفي في مارس 2011، والتي حاول فيها المزايدة بالوطنيه على الكتاب والمثقفين السعوديين، ولا نبوح بسر إذا قلنا أنه أحرج الليبراليين، وبالطبع كان تصدي العريفي لأمور عده حاضرا، متى ماكانت طائفيه، سواء كان ذلك متناسقا مع نهج الدوله كما في زيارته الفلاشيه للقوات في الجنوب كما في أحداث الجنوب، أو محرجا للدوله كما حدث في إنتقاد السيستاني تزامنا مع الانتخابات العراقيه، وهو حمق سياسي بالتأكيد. ممارسات الهيئة مؤخرا، والتزايد الطردي في المركبات والأعداد بالضرورة، بل وظهور البعض مسلح، والتواجد في المطاعم والأسواق، للكشف عن أعراض الناس، يمثل مؤشرا آخر على محاولة إستعادة النفوذ، بخلاف الاتجاه المتسامح للهيئة في الأعوام السابقة، وخطوات تأهيل المنسوبين، والحث على المعاملة الحسنه، وتحديد الصلاحيات ومنع الإحتجاز.
ما ذكرته في نفس المقال من مظاهر للوعي، كانت على أجندة الإستهداف من الإسلاميين، سواء عبر الإعلام التقليدي والمنابر، أو عبر الاعلام الجديد، فيظهر أحدهم ليستهدف أبناء وبنات السعوديين قائلا أن 80% منهم يتعاطون الكحول، ويظهر العريفي عبر تويتر في هذا الموضوع، مطالبا بإجراء تحاليل كحول وحشيش للطلبه، بالرغم من أن نسب التعثر الدراسي للمبتعثين لا تتجاوز 5% حسب بيانات وزارة التعليم العالي، وهو مؤشر على إلتزام المبعثين.
لاشك أن 2011 في السعودية، حاول التيار الديني توجيه رسالة فحاواها أنهم الأكثر وطنيه، وأنهم من تصدوا لثورة حنين، لا سيما والمواقع الليبراليه ومنها ليبراليي الحجاز، قد تم استغلالها من بعض العناصر الفارسيه الولاء، لكي تبدو الثورة للحقوق وليست طائفيه، أضف لذلك أن مستوى التنظيم منخفض بين الليبراليون، هذا كله يساعد في الهجمه على الليبراليين وبالتالي على مبادي الوعي والحريه. النهج الذي يسعى له الإسلاميين ومن يؤيدهم، من محاولة لإجبار الآخرعلى فهم الدين بطريقة معينه، وصولا إلى التجسس عليه وإجباره على تطبيقه حسب هذا الفهم الأحادي، هي أمور أمكن تطبيقها إبان الثمانينات الميلاديه، وذروة الجهاد الأفغاني، حين كان المجتمع مغلقا، وكان الظرف العام مساعدا.
وفي رأيي أنه في 2012 وبعد انفتاح المجتمع وثورة الاتصالات والإعلام الرقمي، والحوار الوطني الذي رعاه خادم الحرمين، والتنوير الذي أصاب الكثير من الناس، عبر الانترنت وموارد المعرفه المختلفه، وأصبح الناس يبحثون عن المعلومه الدينيه من أكثر من مصدر، أصبح صعبا تطبيق مايصبو إليه التيار الديني، فالثوب الذي ناسبنا في الثمنينات، بالتأكيد لا يمكن أن يناسب جسد المجتمع اليوم، لأنك تستطيع منع مقال في جريدة، لكنك لا تستطيع منع تغريده أو مدونه.
اترك تعليقاً