لنتخيل لو قام الرئيس بيل كلينتون بإطلاق محادثات مع تنظيم القاعدة، بعد العمليات الإرهابية في نيروبي ودار السلام 1998، ولنتخيل لو قدم الرئيس، دبليو بوش، اعترافاً دولياً بطالبان كنظام شرعي في أفغانستان، وطي صفحة الخلاف بعد تفجير برجي التجارة.

وعلى الجانب الآخر حين قام حزب الله اللبناني في 1983 باستهداف مبنيين لقوات المارينز الأميركية والفرنسية في بيروت، وأودى بحياة 299 جندياً أميركياً وفرنسياً، هل أصبح التعايش مع حزب الله كأمر واقع في ظل التواجد السوري، أو بعد اغتيال رفيق الحريري في مثل هذه الأيام قبل ستة عشر عاماً، سبباً لتحول الحزب لكيان سياسي له علاقة بأي شيء لبناني!

لا شك أن حزب الله على سبيل المثال وبعلاقة طردية مع الملاءة المالية لإيران، تزداد أدواره في التسليح والتدريب والإعلام والمخدرات، في سوريا والعراق وفي اليمن، وباغتيال اللبنانيين كما حصل مؤخراً مع لقمان سليم، من باب الحرص على حصول ذوي القربى على نصيبهم من ميليشيا القتل، وأبعد من منطقتنا تصل أنشطة المخدرات وغسيل الأموال لحزب الله إلى إفريقيا وأميركا الجنوبية، ونترات الأمونيوم تمتد من مرفأ بيروت مروراً ببراميل بشار الأسد وصولاً لألمانيا التي حظرت الحزب وصادرت مقاره مؤخراً، بعد طول محاباة.

ولعل من سخرية القدر أن ضلعا رئيسيا في محور المقاومة وهو نظام الأسد، أصبح يلمح كثيراً إلى الترحيب بالتطبيع مع إسرائيل، ووجوب التعامل مع ذلك كأمر واقع، وآخر الأصوات التي عبرت عن ذلك كان دريد لحام، ومفهوم أن هذه التصاريح ما هي إلا فصل من حلقة بدأت قبل عقد من الزمن، حين صرح رامي مخلوف أن وجودهم حفظ لأمن إسرائيل.

وعلى من صدقوا يوماً أن أنظمة كنظام الأسد وميليشيات كحزب الله أو الحوثيين، تسعى فعلا لموت إسرائيل، أو تعبأ لفلسطين وقضيتها، أن يراجعوا أنفسهم كثيراً.

اليوم تخوض إيران عملية مكاشفة مع العالم باعتبارها تدير مجلس إدارة الإرهاب، توجه رسالة على متن الصواريخ والمتفجرات لدفع ساكن البيت الأبيض للإسراع نحو رفع العقوبات، ومن ضمن المكاشفة أن جميع التهديدات التي تقوم بها اليوم تحدث في إدارة روحاني، الذي من المفترض أنه محسوب على التيار الإصلاحي، فلماذا إذن يخشى العالم وصول المتشددين في الانتخابات الرئاسية القادمة، أو كيف أن يستمر في تصديق الرواية الواهية حول تباين التيارات في إيران.

التصعيد الإيراني ارتفع عبر استهداف مطار أربيل، ودفع الحوثيين لتسخين جبهة مأرب، وانتقلت نحو مستوى آخر وهو البحث عن أهداف سهلة في إفريقيا لتهديد مصالح أميركية أو عربية، وهو أمر يبدو أن الإعداد له بدأ قبيل الانتخابات الرئاسية الأميركية، بحيث تنطلق بعد الانتخابات لحملة عنف قصوى تمثل ضغطا على الإدارة الأميركية الجديدة أو المستمرة.

ففي تقرير نشرته نيويورك تايمز أشارت إلى تنشيط إيران لخلية نائمه في إثيوبيا، تضم خمسة عشر عنصراً منهم إيرانيو الجنسية، كانوا يخططون لإستهداف السفارة الإماراتية واغتيال دبلوماسيين في الثالث من فبراير الجاري، وقد عملت الخلية التي وجد بحوزتها أسلحة ومتفجرات، على جمع معلومات عن أهداف إسرائيلية وأميركية في أديس أبابا.

التحرك الإيراني في إفريقيا يمتد إلى السودان حيث أكد مسؤولون استخباريون من إثيوبيا والسودان، استهداف عناصر آخرين للسفارة الإماراتية في الخرطوم، وكانت مجلة “بوليتيكو” الأميركية أشارت في سبتمبر الماضي إلى عملية إيرانية فاشلة لاغتيال السفيرة الأميركية في جنوب إفريقيا، لانا ماركس.

إيران تجري لقاءات علنية مع طالبان وتحتضن عناصر القاعدة ولا تتصادم مع داعش، وهي الممول العلني لحزب الله والخلايا النائمة في إفريقيا، وربما تكشف خلايا أخرى في أوروبا، وهي تعتبر هذا التموضع أداة ضغط من المنتظر أن يقابلها تراخي نحو وضعها الاقتصادي المتداعي، بينما الردع هي اللغة الوحيدة التي تفهمها، وأي طريقة تعامل أخرى ستكون بمثابة رسالة خاطئة لطهران.

موقع العربية
https://www.alarabiya.net/politics/2021/02/17/%D8%A7%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%B3-%D8%A7%D8%AF%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B1%D9%87%D8%A7%D8%A8
17 فبراير 2021


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *