قبل حوالى شهر من يوم الانتخابات الكبيرة في الثالث من نوفمبر، وبعد مناظرة عنيفة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، ونائب الرئيس السابق جو بايدن، اتسمت بالمقاطعات والعنف اللفظي كما لم يحدث من قبل، أعلن عن إصابة الرئيس الأمريكي وزوجته بفايروس كورونا.

هذا الفايروس الذي غير شكل الكرة الأرضية والعلاقات البشرية، وصار دافعاً نحو مزيد من الانعزال وإغلاق الحدود، وهو ما يؤثر على الدول السياحية والنفطية وبالضرورة على الدول الصناعية، مما يدفع بأرقام البطالة عالياً.

هذا الضرر الاقتصادي لم يسلم من ضرره أي بلد، لكن الضرر على أمريكا كان الأكبر، وتسبب هذا «الفايروس الصيني» كما يسميه الرئيس ترمب، بالقفز بأرقام البطالة إلى السماء، والنهش من الإنجازات الاقتصادية التي حققها ترمب في الثلاث السنوات الأولى من فترته.

هذه الإنجازات كانت كبيرة جداً على مستوى خفض البطالة بشكل عام لمستويات 3.5%، وخفض البطالة لدى عدة مجموعات عرقية كالسود مثلاً، كما كانت مؤشرات الفهم لطبيعة المواطن الأمريكي الحقيقي لإدارة ترمب لافتة، حيث إنه فهم أهمية القطاع الزراعي، وتأثير صوت المزارعين في الانتخابات، ولهذا حارب الصين لتعديل الميزان التجاري بين البلدين، وإجبار الصين على رفع نسبة وارداتها الأمريكية من المنتجات الزراعية.

ومع قرب انتهاء فترة رئاسية كاملة للرئيس ترمب، وهو الرئيس المختلف جداً عن سابقيه، يتضح بتحليل بعيد عن العواطف، كيف أن فريق الرئيس أعاد صياغة مفهوم المواطن الأمريكي، بعيداً كل البعد عن الكليشيهات المستهلكة إعلامياً وفِي شاشات هوليوود.

ولهذا كان التركيز على الناخب الأبيض وتحقيق ما لم يحققه سابقوه على مستوى المصالح الإسرائيلية، ومن ذلك نقل السفارة إلى القدس، وهو القرار الذي أقره الكونغرس في 1998 ولَم يتشجع للمضي به إلا الرئيس ترمب، هذا طبعاً ليس اتفاقاً ولا اختلافاً مع القرار، بل هو كما ذكرت تحليل للأحداث.

معاداة الإعلام أيضاً ليست محض صدفة، بل هي إستراتيجية تأتي ضمن فهم الناخب الأمريكي، الذي يعتبر الإعلام جهازاً نخبوياً، من النخبة وإليها ولا يتكلم لغته الشعبية، وهي اللغة التي يتكلمها ترمب، وأحياناً يوغل في ذلك.

يكون للمناظرات الرئاسية عادة تأثير يتسبب في حسم رأي طيف واسع من الأمريكيين خاصة نحو الملف الاقتصادي للناخب، وهذا ما حصل في سبيل المثال مع بيل كلينتون حين فاز على بوش الأب، وفِي هذا الملف اليوم النقاش يدور حول ما إذا كان منجز ترمب الاقتصادي، هو ما يدفع الناخب الأمريكي لاختياره باعتباره الأقدر على إعادة إنعاش الاقتصاد بعد الجائحة.

أم رواية بايدن بأن النجاح الاقتصادي تم في فترة ترمب، نتاج تمهيد اقتصادي من فترتي ترمب، عدلت من العطب الذي تسببت به مرحلة حكم دبليو بوش، والحروب التي خاضها في أفغانستان والعراق.

لكن اليوم يبدو الاستقطاب كبيراً في المجتمع الأمريكي، بشكل يجعل طيفاً واسعاً من الناخبين حسم أمره، بغض النظر عن أجندة كل مرشح، ولا أبالغ إن قلت إن الرئيس ترمب خطط لهذا الاستقطاب عبر استهداف بعض النخبة ومعاداة الإعلام، واستخدام مسميات من شاكلة الأخبار الزائفة (Fake news)، ليكسب أكثرية كاسحة، حتى أن بعض أحد مستشاري أوباما والمحاضرين في هارفارد، قال إنه يتوقع أن ترمب فاز على هيلاري كلينتون بأرقام أعلى من المعلن، ولكنها لم تظهر لحفظ وجه القيم الأمريكية.

إصابة الرئيس وزوجته بفايروس كورونا، تجعل هذا الفايروس العامل الأهم في حسم الانتخابات القادمة، فهناك احتمال أن يكون ضرره كبيراً على الرئيس إذا ما أخذنا بالحسبان عامل السن وزيادة الوزن، لكن الأكيد أن تعافيه كما حصل مع بوريس جونسون، سيضعه في صورة الرئيس القوي، الذي لم يخطئ عندما لم يلبس الكمامة.

صحيفة عكاظ
https://www.okaz.com.sa/articles/authors/2043587
الاثنين 5 أكتوبر 2020


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *