اخترعت إيران ومنظومتها الإقليمية معاني أخرى للانتصار والهزيمة، فصارت حرب 2006 انتصاراً رغم ما سببته من خسائر بشرية وتدمير للبنية التحتية، ورغم أن أمين حزب الله صرح بنفسه بالقول إنه لو كان يعلم أن العملية التي قامت بها عناصره ستؤدي لهذه الحرب لما أقدم عليها.

في سوريا قد تحدثك فضائيات المقاومة عن صمود الأسد، مبهرة هذا التصريح بـ«التصدي للإرهاب» و«الحرب الكونية»، حتى وإن كان على الأرض لم يكن يسيطر على أكثر من حوالى 22- 24% من الأرض قبل التدخل الروسي، وهو ما أخرج لنا من مجمع الأسد اللغوي، مصطلح «سوريا المفيدة».

وبالتالي فالوطن الأم لهذه الأفكار «إيران» لا بد أن يتحدث عن ما يصيبه من أزمات، منذ إعادة العقوبات الأمريكية، عن الصمود كانتصار، ويحدثك حسن روحاني عن مصطلح «الصبر الإستراتيجي»، الذي لا يتجاوز كونه دعوات إلى السماء أن يغادر دونالد ترمب البيت الأبيض في الانتخابات الرئاسية القادمة نهاية العام الجاري.

وفي واقع الأمر أن حالة إيران الحالية غاية في الضعف، قبل حتى أن نصل إلى موعد الانتخابات، والضعف ليس اقتصادياً فقط بل سياسياً أيضاً، ففي عام 2016 أقلعت قاذفات تي يو-22 إم3 وإس يو-4 مسلحة من مطار همدان في إيران، وقالت حينها وزارة الدفاع الروسية إنها استهدفت جماعات إرهابية في سوريا.

ووجود قوات أجنبية على أرض إيران، هو أمر مخالف للدستور، ويعني ما يعنيه تجاه الخضوع لروسيا، الذي يزيده قرض المليارات الخمسة دولار الذي طلبته طهران لرقع الميزانية المهترئة بسبب العقوبات الأمريكية وتراجع أسعار النفط.

الضعف الإيراني ربما أغرى الصينيين للتواجد العسكري في إيران، وإن كان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية عباس موسوي نفى ذلك، حيث علق حول الوثيقة الشاملة للتعاون بين طهران وبكين: «ليست هنالك قضية منح جزر إيرانية (للصين) ولا نشر قوات عسكرية (صينية) ولا سائر الأوهام».

ولأن إيران قوية بصمودها، فقد صمدت كثيراً أمام عشرات الضربات الجوية الإسرائيلية لقواعدها وعناصرها، والمعسكرات التابعة لحزب الله، وظلت كما كان يردد الأسد تتمسك بحق الرد في الوقت والمكان المناسبين.

لكن هذا الصمود يبدو أنه امتد للداخل الإيراني، حيث شهد الداخل الإيراني منذ الشهر الماضي خمس حوادث، حيث دوى انفجار في منشأة لإنتاج غاز الوقود المسال للصواريخ الباليستية في خجير قرب طهران في 26 يونيو، وفي الثلاثين من الشهر نفسه حدث انفجار في عيادة طبية بطهران، تسبب في مقتل تسعة عشر شخصاً.

بالإضافة إلى انفجار بموقع نطنز النووي في الثاني من يوليو الجاري، والذي عقبه في اليوم التالي اندلاع نيران شديدة في شيراز، وأخيراً انفجار واندلاع نيران في منشأة للطاقة الكهربائية في الأهواز، تسبب في تسرب غاز الكلورين من مصنع قارون للبتروكيماويات في مهاشار.

إيران اتهمت إسرائيل بالوقوف خلف بعض الهجمات، ولم تعترف ببعضها، لكنها لم تخبرنا إن كانت سترد على إسرائيل، أم ستستمر في انتصار الصمود.

إن أي إدارة أمريكية غير قوية في موقفها من إسرائيل، ستجرئ تل أبيب على ضم أراض فلسطينية جديدة، لكن الأهم لها هو ضرب البرنامج النووي الإيراني، كما فعلت في العراق وسوريا سابقاً، وبالتالي تلغي احتمال هذا الخطر على أمنها، وهي الضربات التي يسيل لعاب نتنياهو للقيام بها منذ عرضه للخمسين ألف وثيقة عن البرنامج الإيراني النووي، الضربة اليوم مفيدة أيضاً شعبياً لنتنياهو أمام استحقاقات قضائية.

جريدة عكاظ
https://www.okaz.com.sa/articles/authors/2032575
الاثنين 13 يوليو 2020


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *