في وسط هذا المزاج العالمي للخروج من التحالفات والكيانات المشتركة، وأبرز هذه الزلازل هي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والذي كاد يعصف برئيسة الوزراء تيريزا ماي، يأتي تشكيل كيان البحر الأحمر ليمثل توجها تكامليا تجسده المملكة في الشرق الأوسط.
فالنجاحات الدبلوماسية السعودية في إجادة صنع التحالفات، برزت في تشكيل التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، والذي حقق نجاحات كبيرة على الأرض، رغم التحديات التي يمثلها الواقع اليمني، بالإضافة إلى التدخلات الإقليمية، وضعف الإرادة الدولية في الضغط نحو حل سياسي خلال السنوات الماضية.
ولعل ما نتج عن اتفاق ستوكهولم من انسحاب الحوثيين من ميناء الحديدة، وتسليمه للأمم المتحدة، ورغم الثقة الضعيفة في جدية الحوثيين، إلا أن الاتفاق مؤشر على النجاح السياسي والعسكري لجهود التحالف في دعم الشرعية.
السعودية نجحت كذلك في إقناع 40 دولة إسلامية، في تشكيل التحالف العسكري للتصدي للإرهاب، والذي تتكامل جهود البلاد المنضوية تحت مظلته، على المستوى العسكري والمعلوماتي والتقني.
وبما أن «كيان» مصدرها كان، فتأتي أهمية تشكيل هذا الكيان لماضي هذه المنطقة، حيث نشطت القرصنة خلال العام 2008، حيث تمت مهاجمة حوالى 60 سفينة في خليج عدن والمحيط الهندي، كما أن ميناء الحديدة مثل تحت سيطرة الحوثيين خطرا على الملاحة البحرية، وقد تعرضت بالفعل قطع بحرية أمريكية وسعودية وإماراتية لمحاولات هجومية خلال الأشهر السابقة، وهذا الكيان يستفيد أيضا من النجاح الدبلوماسي السعودي في تحقيق المصالحة بين إرتيريا وإثيوبيا.
وعدم وجود بحر أحمر آمن يمثل خطرا اقتصاديا على مصالح قناة السويس، أهم مصادر الدخل لجمهورية مصر العربية، كما أن المشروعين الضخمين اللذين تستهدفهما المملكة في نيوم والبحر الأحمر، لا بد لهما أن يكون هذا الممر المائي آمنا، وتوقيت تشكيل هذا الكيان مهم حيث يتزامن، مع البدء في المرحلة الأولى للمشروعين. التحالفات بطبيعتها لا تتشكل بين دول ذات رؤية موحدة، وأحيانا كثيرة لا تتشكل بين دول ذات مستوى اقتصادي متقارب مثل G20، ولكنها تتشكل في أحايين كثيرة بين دول متقاربة جغرافيا، لحماية مصالح مشتركة، وتحقيق تكامل بين القدرات، مثل رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، أو مجموعة دول أمريكا اللاتينية والكاريبي (سيلاك).
وكيان البحر الأحمر يحقق هذا المشترك الجغرافي بين دوله، كما أن الدول السبع هي دول عربية، وجمعهم في تكتل هو ميزة إضافية في مرحلة من الانقسام العربي، كما أن أكثر من 12% من التجارة العالمية يمر عبر البحر الأحمر، ولهذا اتجهت عدة دول كفرنسا والصين والولايات المتحدة لإقامة قواعد عسكرية في جيبوتي، واليوم تشكل دول الضفتين كيانا لتأمين الممر بسواعدهم.
مع تأمين هذا الممر البحري المهم، سيكون هناك تعظيم لمنافع هذه الدول من حجم التجارة الذي يعبر البحر الأحمر، وهي مشاريع بالفعل أنجزت منها المملكة الكثير، كخدمات لوجستية للسفن التي تعبر البحر، وهو ما يمكن أن يساهم في زيادة حجم التجارة التي تمر من هنا، خاصة أن مصر انتهت أيضا من فتح قناة سويس إضافية تزيد من سرعة تدفق السفن في الاتجاهين.
لم أجد تحية لهذا الكيان أفضل من حروف الأمير خالد الفيصل، وصوت محمد عبده حين تغنى «دستور يالساحل الغربي.. فليت في بحرك شراعي».

صحيفة عكاظ
https://www.okaz.com.sa/article/1692898/
الأثنين 17 ديسمبر 2018


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *