قبل يوم من تصريحات أمير قطر الشيخ تميم عبر وكالة الأنباء القطرية، كتبت مقالا بعنوان «من أغضبت زيارة ترمب»، كان هذا المقال تعليقا على تناول وسائل الإعلام القطرية لاختيار الرئيس الأمريكي ترمب للرياض كمحطة خارجية أولى، وما شكلته الزيارة من تأكيد على مكانة المملكة في العالمين العربي والإسلامي.

والغيرة القطرية من القمة كانت رأس جبل الجليد، أما الدوافع لهذا التصريح الذي قيل إنه مفبرك، فكانت لها عدة أسباب على رأسها الخشية من تقهقر دور قطر الإقليمي تبعا للمعطيات الجديدة، وعلى رأسها توجهات الإدارة الأمريكية الجديدة.

تلك الليلة كانت ليلة اضطراب قطرية بامتياز، حيث كان التصريح بالون اختبار في وقت تتسم فيه السياسية السعودية بالحزم، ويتجه فيه الإعلام السعودي القوي والمؤثر خصوصا عبر الشبكات الاجتماعية، إلى تسمية الأشياء بأسمائها، مودعا عقودا من الدبلوماسية الصحفية.

أن يكون موقع وكالة الأنباء القطرية مخترقا فهو أمر وارد، ويمكن أن نشتري هذه البضاعة لو صدر توضيح حول فحوى كلمة الأمير، حول موقف قطر من إيران ومن حزب الله ومن حماس، وتوضيح عن ما يعنيه كل ذلك وعلى النقيض الحديث عن علاقات جيدة مع إسرائيل والأدهى والأمر الحديث عن كون القاعدة الأمريكية تحمي قطر من أطماع جيرانها!

والحقيقة أن ما ورد في الحديث هو بالفعل قواعد السياسة الخارجية لقطر منذ عقدين من الزمان، أي تزامنا مع انقلاب الأمير الوالد على والده رحمه الله منتصف التسعينات، والتي ربما خفتت للحظات بحسب المتغيرات الإقليمية، لكن قمة الرياض كانت موجعة لدرجة أخرجت كل شيء على الطاولة.

السياسة الخارجية مع إسرائيل كانت غريبة وصادمة للخليجيين والعرب، خصوصا وقطر ليست دولة مواجهة مع إسرائيل ولا دولة فقيرة تحتاج دعما إسرائيليا، لكن بالطبع سكت المدجنون من الحركيين عن نقد هذا التحرك، ومن نافلة القول إن الجزيرة كانت لا تورد هذه اللقاءات أبدا، بل تفرغت لانتقاد أي لقاء بين مسؤولين إسرائيليين ومصريين خلال فترة مبارك، بالرغم من أن مصر دولة مواجهة ولديها اتفاقية سلام مع إسرائيل، وقبل هذا كله حاربت إسرائيل وضحت بأبنائها.

ولأن السياسة القطرية تعتبر أفلام الأبيض والأسود نموذجا لسياستها، وهو ما يمنحها نفوذا يفوق حجمها الطبيعي جغرافيا وسياسيا، فقد كانت من سخرية القدر تسخر الساعات من البث الإعلامي للحديث عن القضية الفلسطينية، وعن معاناة غزة التي يتسبب بها النظام الإسرائيلي الذي تصدر له الغاز قطر، وتصدر لغزة الشعارات.

لبنانيا كانت قطر تجد نفوذها الإقليمي عبر علاقات قوية مع فرع الحرس الثوري في لبنان «حزب الله»، وبالنتيجة مع نظام بشار الأسد، لكنها باعت الإثنين بمجرد شعورها بإمكانية إسقاط النظام السوري وإبداله بنظام من الإخوان المسلمين، وحين لم يتم لها ما أرادت أعادت الاتصالات بالطرفين منذ العام 2013.

هذا الأمر يشابه علاقة النظام القطري بالقذافي، فقد كان التعاون كبيرا بين النظامين، وبمجرد شعور النظام القطري بإمكانية إسقاط القذافي انقلبت عليه، وحينها هددهم بقوله «ستندمون يوم لا ينفع الندم»، لكن قرار أوباما بالتدخل في ليبيا والإحجام عن التدخل في سوريا، هو ما حمى هذه الاستدارة القطرية.

المقال لا يتسع لذكر كل مواطن شق الصف الخليجي والعربي، والسير عكس التيار بعلاقات مع القذافي وإيران والحوثيين والإخوان، وترويج للقاعدة عبر شاشة الجزيرة واحتضان لمكتب طالبان، والرهان على ذاكرة ضعيفة أثبت فشله.

قرارات قمة الرياض والتي تضع مكافحة الإرهاب أولوية، سواء عبر الدول الراعية له وعلى رأسها إيران، أو الحركات الإرهابية سواء القاعدة أو حزب الله أمام المواجهة بالسبل العسكرية والاقتصادية والسياسية، لا تسمح بنفوذ ودور خارج الاصطفاف العربي والإسلامي المتحقق في الرياض، إلا نفوذا يناسب حجم كل لاعب.

صحيفة عكاظ

http://okaz.com.sa/article/1549866/

الاثنين 29 مايو 2017


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *