إثر تصويت مصر في مجلس الأمن لصالح المشروع الروسي حول سورية، والمتضمن الدعوة إلى «التنفيذ الفوري لوقف الأعمال القتالية وخصوصا في حلب»، مع التركيز على اتفاق الهدنة الذي توصلت إليه روسيا مع الولايات المتحدة في التاسع من سبتمبر الماضي، ظهر غضب شعبي في عدة دول عربية وعلى رأسها السعودية، في حين عبر مندوب السعودية في مجلس الأمن السيد عبدالله المعلمي عن استنكاره لتصرف مصر، معتبرا أن بعض الدول غير العربية كان موقفها أقرب للإجماع العربي من موقف مصر.
وعبرت مصر أنها صوتت لصالح القرارين معا، أي مشروع القرار الفرنسي- الإسباني، وكذلك القرار الروسي، وأنهما أي القرارين يصبان لمصلحة الشعب السوري وحماية المدنيين، وللتوضيح فالقرار الفرنسي يشترط إيقاف جميع الأعمال القتالية، وعلى رأسها الطلعات الجوية والتي تعد أكثر الأعمال العسكرية دموية خصوصا في حلب، بينما القرار الروسي يتذاكى خلف عنوان إيقاف العمليات العسكرية، لمحاولة إحياء الهدنة التي تعذر تنفيذها بعد الاتفاق عليها مع واشنطن، لكن القرار استهدف استبعاد العمليات الجوية التي تقوم بها روسيا ونظام الأسد من القرار، ويبقى مسمار جحا المعتاد فصل المعارضة المعتدلة عن الإرهابيين في حلب.
مشروع القرار الروسي في الأصل هو تلاعب أكثر منه قرارا، لمحاولة صرف الانتباه عن الفيتو الروسي على مشروع القرار الفرنسي- الإسباني، ولعدم منطقية القرار الروسي فقد فشل في الحصول على الحد الأدنى من الأصوات اللازمة لإقراره في المجلس، ولم يؤيد القرار الروسي إلا الصين وفنزويلا ومصر.
الغضب من التصويت المصري جاء نظرا لاعتبار التأييد للقرار الروسي، هو دعم للقتل الذي يقوم به جيش بشار الأسد والميليشيات الشيعية والطيران الروسي في حلب، وما صورة مندوب مصر لدى الأمم المتحدة السفير عمر أبو العطا وهو يتحدث مع مندوب سورية بشار الجعفري، إلا رمزية لهذا التأييد لنظام بشار الأسد.
وإذا عدنا إلى الموقف المصري من الأزمة السورية، فهو لم يختلف تماما حول ضرورة الحفاظ على الجيش السوري، كعقيدة لدى الجيش المصري خصوصا مع الآثار التي نجمت عن تفكيك الجيش العراقي، ولكن هذا لم يختلف عن مواقف عدة دول غربية وعربية على رأسها السعودية، والتي ذكرت دائما ضرورة المحافظة على مؤسسات الدولة السورية، المدنية منها والعسكرية والمحافظة على وحدة سورية.
خلال هذا الغضب «التويتري» من أبناء الخليج تجاه موقف مصر، ظهر على المشهد متصيدون وكارهون، فهناك الأصوات الكارهة من بعض الإعلاميين المصريين، هذه الأصوات تعيش خارج الزمن وتقتات من التاريخ، وتعتبر إهانة الآخرين مدحا لهم بالضرورة، لا يدركون أن إيران خطر حقيقي على مصر، وأنه لم يحلم أي مسؤول إيراني بدخول مصر قبل أن يستضيف مرسي أحمدي نجاد ويذهب هو أيضا لطهران.
ليأتي اليوم ليؤيد موقف إيران وحلفائها في سورية، وما في ذلك من تنسيق مع وفود من حزب الله زارت القاهرة عدة مرات أخيرا، ليذهب وفد مصر إلى لوزان بضغط من سورية كضلع داعم للنظام الذي يقتل شعبه، هذا المسلك الإعلامي الشاتم للمملكة في كل فرصة سانحة، يصعب الفصل بينه وبين القرار السياسي؛ لأن حدود حرية الإعلام معروفة خصوصا بيننا معشر الصحفيين، دون مزايدة من طرف على آخر.
خرجت أيضا أصوات ومواقع الإخوان التي تقتات على الأزمات وتنفخ فيها لخدمة أجندتها التي تعادي الأوطان «كل الأوطان»، ويسعدها أن تحصل قطيعة بين مصر والسعودية لا قدر الله، ولتعود لتنسج نفس اللحن عن أن تركيا هي الحليف الحقيقي لا مصر.
والحقيقة أن لا حليف لك ما لم تكن قويا مستقلا كما المملكة، وتركيا ومصر يتفقان معنا في ملفات ويختلفان في ملفات أخرى، وإن كان من عتب على مصر لضعف مشاركتها في عاصفة الحزم فتركيا لم تشارك من الأساس، وإن كان من عتب على مصر لموقفها من الأسد فتركيا لها موقف مشرف تجاه المعارضة السورية، بالإضافة إلى أن ذلك يخدم مصالح تركيا القومية بمنع وجود إقليم كردي في شمال سورية.
مصر الدولة العربية الأهم والعمق الإستراتيجي للأمن القومي الخليجي، المحزن أنها تشعر بأن الدور السعودي اليوم يضعفها، وأن وضع بعض الحجارة في كفة إيران سيرجح الميزان في المنطقة، تراهن على روسيا دون أن تتساءل لماذا العلاقة الاقتصادية بين الروس والأتراك أفضل مئات المرات من علاقة الروس بمصر، هذا هو سؤال المليون جنيه قبل أن يتعوم الجنيه.
صحيفة عكاظ
http://www.okaz.com.sa/article/1502777/
الاثنين 17 أكتوبر 2016
اترك تعليقاً