قبل خمسة أشهر أعلن الرئيس فلاديمير بوتين سحب أغلب قواته من سوريا، معللا ذلك بنجاح مهمته في سوريا والتي كانت حماية بشار الأسد من السقوط وهذا العنوان هو ما يقدم لسوريا وإيران لدفع الفاتورة، وهناك عنوان يقدم للآخرين ألا وهو مقاتلة داعش أو المتطرفين كما تسميهم موسكو وتعني كل المعارضة المسلحة، وعلى واقع الأرض كان حوالي 90% من الغارات لا تستهدف مواقع داعش.
وبين العنوانين عنوان ثالث قد يكون هو العنوان الأدق للتدخل الروسي، وهو تعظيم نفوذ ومصالح روسيا في سوريا وفي المنطقة، لكي تستفيد من الوضع الذي سمحت به إدارة أوباما عبر قرارها بعدم التدخل في المنطقة، مع استثناء بسيط هو العراق وحتى التدخل في العراق هو تدخل محدود، كما أن هذا التدخل أيضا أتى عقب إعلان روسيا استعدادها للدخول في العراق لمحاربة داعش إذا ما طلبت الحكومة العراقية ذلك.
قبل الربيع العربي كان التواجد الروسي العسكري ينحصر في قاعدة بحرية صغيرة في مدينة طرطوس على الساحل الغربي لسوريا، ومع التدخل الروسي المباشر في سوريا عمل الجيش الروسي في سوريا على تأمين قاعدة “حميميم” الجوية بكافة الأسلحة والمعدات العسكرية، حيث تخطط روسيا لتوسيع وتطوير القاعدة في ريف اللاذقية بقدر كبير، وظهرت مخاوف غربية من أن روسيا تؤهل القاعدة لاستقبال قاذفات ثقيلة قادرة على حمل قنابل نووية.
ونقلت حينها صحيفة “إزفيستيا” الروسية عن فرانتس كلينتسيفيتش، النائب الأول لرئيس لجنة مجلس الشيوخ الروسي لشؤون الدفاع والأمن، قوله إن موسكو تخطط لإقامة قاعدة جوية متكاملة في سوريا ونشر مجموعة دائمة من القوات الجوية والفضائية في القاعدة، لكنه أكد على أن روسيا لن تنشر أسلحة نووية وقاذفات ثقيلة في القاعدة بصورة دائمة، باعتبار أن ذلك سيتعارض مع الاتفاقات الدولية وسيثير انزعاجا قويا لا مفر منه.
اليوم ومع ثلاثة تغيرات رئيسية في المنطقة والعالم، أولها الانقلاب التركي الفاشل، وما سبقه من رغبة تركيا للاعتذار من روسيا وإسرائيل، وصولا لزيارة الرئيس أردوغان لسان بطرس برغ ولقائه الرئيس بوتين، مما يعني تغيرا في المواقف وآليات العمل في سوريا وما يتعلق بمصير بشار الأسد ومصير إقليم كردي سوري كذلك، المتغير الثاني هو صمود حلب وكسرها للحصار وإيقاع العديد من الخسائر البشرية في صفوف النظام السوري وميليشيات حزب الله وباقي الميليشيات المدعومة من إيران.
بالإضافة إلى إعلان المجلس الرئاسي بين الحوثيين وصالح في اليمن، والبدء في المعركة على الحدود السعودية، وخطاب صالح الذي أرسل فيه رسالة فحواها إلغاء الشرعية من المعادلة السياسية، معتبرا أن الحكم في المستقبل لابد أن يكون له وللحوثيين “حلفاء إيران”، يتبين أن هذه المستجدات الثلاثة هي ما دفعت روسيا للقيام بتطور عسكري في المنطقة، وهو البدء باستخدام مطار همدان الإيراني، لقصف مواقع في سوريا ومجدداً سميت الذريعة حربا ضد الإرهاب، وقد بدأت بالفعل طائرات قاذفة بعيدة المدى من طراز “تو-22 إم3″، وقاذفات من طراز “سو – 34 بالطيران من إيران لقصف مواقع في سوريا.
هذا التطور الجديد عارضته أمريكا باعتباره يعارض القرار 2231 والذي “يمنع إمداد أو بيع أو تحويل أي طائرات مقاتلة لإيران”، معتبرة أن هذا التحرك الروسي يأتي ضمن عمليات موسكو ضد الإرهاب، لكن بعيدا عن ذلك يبدو أن روسيا وبناء على المتغيرات الثلاثة سالفة الذكر أرادت أن تقوم عمليا بإعادة بناء المعسكر الشرقي وإن كان اليوم معسكر شرق أوسطي، وهذا بلا شك سيحسن من شروطها في التفاوض مع الرئيس الأميركي القادم الذي يبدو أنه سيكون أشد حزما من أوباما في ملفات الشرق الأوسط سواء كان القادم كلينتون أو ترامب.
هذا الاستخدام العسكري الروسي لقاعدة إيرانية، يشير إلى نية روسيا حرق الأرض ومن عليها في سوريا في سبيل حماية مصالحها، وهو مؤشر أيضا على مدى ضعف القدرات الإيرانية في الاستمرار بدعم الأسد، وإلى مدى ذهنية المقامرة لدعم المشروع الأممي رغم كل الخسائر، بل إن العدائية زادت بعد الاتفاق النووي أكثر من ذي قبل، وأكبر الخسائر الإيرانية تحولها لجزء من مشروع روسي بدلا من كونها صاحبة مشروع.

العربية نت

http://ara.tv/4hebm

17 أغسطس 2016


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *