المنطقة العربية تعرضت لزلزالين الأول غزو العراق في العام 2003، والذي خرج علينا توني بلير قبل أسابيع معتذراً عن ذلك، معللاً هذا الخطأ بمعلومات إستخبارية مغلوطة، أدت بالنتيجة إلى تسليم العراق إلى إيران على طبق من فضه كما قال المرحوم سعود الفيصل، هذا الزلزال كان إعلان البداية في تكثيف الإحتقان الطائفي، والذي يتم بالتوازي مع قبول دور إيراني في العراق ودور أكبر في سوريا ولبنان.
حينها خرجت كونداليزا رايس بحديثها عن الفوضى الخلاقة، وخرج أيضا جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي حالياً، ليصرح في الكونجرس عن أن الحل الوحيد لمستقبل العراق هو تقسيمه لثلاث دول، كردية وعربية سنية وعربية شيعية، كانت أمريكا حينها تنتظر إخراج جنودها بأسرع ما يمكن من العراق، وصولاً إلى الخروج الكلي من منطقة الخليج العربي، رغبة في التوجه لمصالحها المستقبلية في آسيا الوسطى وشرق آسيا.
ومع نهاية العام 2010 بدأت عاصفة الربيع العربي من جسد البوعزيزي المحترق، لتنتشر النيران في جسد مصر وليبيا وتونس ، وتمتد إلى عرب آسيا لتصيب اليمن و سوريا، حينها تبدى للعرب أن سايسبيكو جديد في الأفق كما حدث في السودان، وأن التقسيم هو الهدف أما الحريات والعدالة الإجتماعية وحتى الطائفية فمجرد تفاصيل، وبرز خطر كبير يستهدف دول الخليج عبر مخطط تسليم البحرين لإيران، بعد عامين من حرب السعودية مع الحوثيين.
لم يبق في المشهد من دوله كبيرة تستطيع التحرك لحفظ ما أمكن من الجدار العربي المتصدع إلا السعودية، وكان التحرك مع الحفاظ على منظومتي مجلس التعاون والجامعة العربية، هو إدراك لأهمية العمل الجماعي خصوصاً والأعداء يتمنون عمل كل دولة عربية بشكل منفرد ليسهل زعزعة أمنها، رأينا ذلك مع إسرائيل في مفاوضات السلام بشكل منفرد، ورفضها التام للمبادرة العربية التي توحد العرب.
ولذا تحركت السعودية ضمن قوات درع الجزيرة برفقة الأشقاء الخليجيين وعلى رأسهم الإمارات، لإبطال المشروع الإيراني لإبتلاع البحرين، ثم قدمت الدعم الكامل للنظام المصري بعد ثورتيه، لأن بقاء مصر متماسكة وقوية هو الأهم لمنظمومة الأمن العربي، ثم وصلت المنظومة العربية لمرحلة تكامل مقبولة عبر مشاركة عشر دول عربية في التحالف العربي في اليمن، والذي تصدى للطموحات الإيرانية للتمدد في الجزيرة العربية، ونذكر كيف كانت التصريحات الإيرانية المنتشية قبل عاصفة الحزم تتحدث عن سيطرة إيران على أربع عواصم عربية، وأن بغداد الرشيد صارت عاصمة الإمبراطورية الإيرانية.
وخلال عشر سنوات مضت كان إنطلاق القمة العربية اللاتينية مهما جداً، ونرى أهميته اليوم أكثر من ذي قبل، لعدة أسباب سياسة على رأسها تراجع فكرة القطب الأوحد، مما جعل الحاجة للتحالفات أكبر ليس فقط مع أمريكا اللاتينية، بل أيضا الهند وروسيا والصين وأفريقيا، كما رأينا خلال زيارات سبقت القمة لرؤساء الصومال وجيبوتي والسودان، مما يسهل القيام بحشد لقرارات مجلس الأمن مثلاً، وقد شهدنا تمرير قرار إنضمام فلسطين للمحكمة الدولية رغم الفيتو الأمريكي.
وعندما يخرج إعلان الرياض دون أي تحفظ من أي دوله، يعد هذا نجاحا للديبلوماسية السعودية والعربية، والقدرة على التعريف بقضايا العالم العربي وتقارب الروئ حولها، وعلى رأسها قضية فلسطين الذي تمنى رئيس فنزويلا في كلمته، أن تكون دولة متكاملة الأركان في العام 2018 حين تستقبل بلاده القمة المقبلة، كذلك التأكيد على دعوة الأطراف اليمنية للإلتزام بقرار 2216 ومخرجات الحوار الوطني المنبثقة من المبادرة الخليجية.
كذلك التأكيد –من دون تسميه- على وجوب أن تحترم إيران حسن الجوار، وأن تكف عن تدخلاتها بشؤون الدول العربية، والذكر الصريح للإحتلال الإيراني للجزر الإماراتية الثلاث، وتأييد الرؤية العربية الباحثة عن حل سياسي ينهى حالة الصراع المأساوية في ليبيا وسوريا، إقتصاديا أيضا لدينا هموم مشتركة على رأسها إنخفاض سعر النفط كما ذكر رئيس الأوروجواي.
علينا كعرب مهما اختلفنا في السياسة، أن نهتم بالمستقبل عبر الإستثمار في البنية التحتية وتكامل السوق العربي، وهذا لن يتم قبل التصدي المشترك للإرهاب، وأتمنى أن نشهد قريبا قطاراً يربط مصر بالمغرب، وجسراً يربط مصر بالسعودية، مع قطار الخليج الذي بدأ بالفعل، وصولاً إلى تشكيل شركة نقل بحري لتجاوز مشكلة المسافة بين المكونين.
تختلط السياسة بالإقتصاد وتفسد أحدهما الأخرى، لكن تبقى القوة الناعمة هي اللغة التي تُخاطب الشعوب لا الزعماء، وهي اللغة التي تمثل جدارا دفاعيا في لحظات الخلاف، لدينا موسيقى وفنون عربية ومبدعين في مختلف المجالات، علينا ان ندعم زيارتهم لدول أمريكا اللاتينية وتعريفهم بثقافتنا الرائعة، علينا أن نبذل جهدا في الترجمة من الأسبانية والبرتغالية ولها، لأنها شعوب تشبهنا وتستحق أن نبذل جهدا لتعرفنا، إلا إذا كنا نريد إسرائيل أو إيران أن تقومان بمهمة التعريف بنا عوضا عنا.
الموقع الشخصي
12 نوفمبر 2015
اترك تعليقاً