في العاشر من حزيران (يونيو) من العام الماضي استولى عناصر من التنظيم الإرهابي داعش على الموصل، وسط انسحاب مخز من عناصر الجيش العراقي، هذا المشهد تكرر في مناطق عراقية عدة، قبل أن ينتج منه تغييرات عدة سياسياً وعسكرياً، كان أبرزها تكليف حيدر العبادي بتشكيل حكومة جديدة، خلفاً لنوري المالكي الذي حكم العراق لثماني سنوات، وكان الفرار الكبير للجيش العراقي إحدى علامات فساد حكمه الكثيرة.
الفوضى الأمنية بدأت مباشرة بعد الاحتلال العراقي، ونذكر مشاهد السلب والنهب التي انتشرت في طرقات العاصمة العريقة بغداد، وكان التدخل الإيراني سبباً رئيساً في الفوضى الأمنية، إذ إن إيران تحمل الكثير من الحقد على الجيش العراقي، ولهذا كان الإصرار من الموالين لإيران في نظام الحكم ما بعد البعث على حل الجيش العراقي وعلى إصدار قانون اجتثاث البعث، حتى يلغي تاريخ العلاقة بين العراقيين وحزب البعث والتي استمرت لعقود.
إيران أيضاً تفضل الميليشيات على الجيش النظامي، إذ يسهل بناء قوة عسكرية يكون الولاء فيها أهم من الكفاءة، مقارنة بالجيش النظامي الذي تكون عقيدته وطنية في العادة، ويصعب أن تكون عقيدته طائفية خصوصاً في البلدان التي بها تنوع طائفي و«أثني»، هذه الطريقة قامت بها إيران بعد إسقاط الشاه عبر تشكيل الحرس الثوري والباسيج، خشية من انقلاب الجيش على نظام الملالي الطائفي الذي سرق ثورة الشعب الإيراني، النموذج نفسه طبقته إيران في لبنان عبر حزب الله، وصولاً لجعل ميليشيا حزب الله أكبر من الدولة ومحتكرة لقرارها بقوة السلاح.
ولهذا نجد أن عملاء إيران في العراق عملوا بشكل حثيث لإلغاء الصحوات، والتي اقتنع بتأسيسها الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش من شباب العشائر السنية، بعد قناعته بأن القضاء على «القاعدة» المحسوبة على السنة لا يكون إلا بعناصر من السنة وليس من الشيعة، وأن التصدي لها بعناصر من الشيعة يمنحها بيئة حاضنة في المناطق السنية، ولكن خلفه لا يملك الإدراك نفسه ولا حتى الإرادة، ولهذا عطل النظام العراقي تشكيل قوات حرس جمهوري من سكان كل منطقة، ولم يسمحوا بتشكيلها في المناطق السنية للتصدي لداعش، واستعاضت عن ذلك بميليشيات شيعية تقاد من قاسم سليماني.
عبر برنامج الذاكرة السياسية الذي تعرضه قناة العربية، عرض اللواء غازي عزيزة حالات من الفساد المستشري في المنظمة العسكرية بعد الغزو، خصوصاً في عهد المالكي، اللواء عزيزة هو مسيحي وهذا يمنحه صدقية ويبعده عن التحيز، وهذا ما ذكره بنفسه عن أن السنة والشيعة كانوا يرتاحون بالحديث في وجوده حين ينتقدون ويسبون الطائفة الأخرى.
اللواء عزيزة كان مديراً للعمليات المشتركة، قبل أن يقال لأسباب عدة منها رفضه إعدام بعثيين من دون تهم جنائية تدل على تورطهم في أعمال إجرامية، والقصص التي أوردها هي قصص مضحكة، ولكن ضحكاً يشبه البكاء على حال العراق، وهي حال كل بلد عربي يعتقد شيعته أن إيران هي المنقذ للشيعة العرب، وأورد قصصاً لعناصر كثيرة ضمت للقوات الأمنية ومنحت أعلى رتب، على رغم أنها عناصر مدنية، وكان المؤهل الوحيد أنها عناصر من جيش المهدي أو قوات بدر أو أي من الميليشيات الشيعية، بل إن الضباط الشيعة البعثيين يصدر بحقهم استثناء من قانون اجتثاث البعث إذا كانوا موالين للأحزاب الشيعية فقط.
وقد حكى اللواء عزيزة عن طلب من سائقه لكي يكون ضابطاً، فاستغرب وقال له كيف تكون ضابطاً وأنت سائق، فقال له إن قاسم وهو من يصنع الشاي والقهوة في مكتب وزير الداخلية باقر جبر الزبيدي أصبح نقيباً، فاستغرب واستدعى «النقيب قاسم» ليسأله عن التعيين ضابطاً، فأجاب بأنهم يوظفون جميع الموالين ضباطاً، ومن سخرية القدر قال إنه يشعر بالغبن لأنه أصبح على رتبة نقيب فقط، وذاك لأنه لا يقرأ ولا يكتب، بينما أبوفاطمة وأبوكرار أصبحا عقيداً وعميداً، وهنا يتبدى كيف أن واقع العراق بفضل إيران أصبح أشد سخرية من السخرية نفسها.
صحيفة الحياة
http://www.alhayat.com/Opinion/Abdulrahmaan-Al-Toriri/11548426/
الاثنين 12 أكتوبر 2015
اترك تعليقاً