تعتبر إيران منظومة مجلس التعاون الخليجي كياناً معادياً لها، ليس باعتباره منظمة مضادة بل لخطورة وحدته وتماسك دوله، فإيران تسميه خليجاً فارسياً والخليجيون يسمونه خليجاً عربياً، لاحظوا أن لا أحد يحكي عن سنة وشيعة هنا، ولهذا تعتبر إيران أن تفتيت هذه المنظومة يعطيها مزيداً من القوة والنفوذ.

وهي الطريقة نفسها التي تفكر بها إسرائيل، والتي حرصت دائماً وخصوصاً منذ 1973 على التفاوض مع العرب منفردين، وحرصت على أن تتفاوض مع دول المواجهة (مصر والأردن وسورية ولبنان) بشكل منفصل، مدركة أن التوحد في الرؤية العربية يقلل مكاسب المفاوض الإسرائيلي، هذا في حال السلم والتفاوض، ناهيك عن الوحدة في حال الحرب، والتي أدت لهزيمة إسرائيل في حرب 1973.

ومن هنا يأتي التحرك الإيراني عبر زيارة وزير الابتسامات الصفراء محمد جواد ظريف للكويت وقطر والعراق، والتصريحات التطمينية عن الاتفاق النووي، والتأكيد على حرص إيران على علاقات جيدة مع الجيران الخليجيين، وعلى النقيض كانت الرسائل للسعودية والبحرين مختلفة، عبر محاولة تهريب متفجرات للبحرين بحراً، ثم الحادثة الإرهابية في سترة، ثم حادثة إطلاق النار على رجل أمن في القطيف «السعودية»، إضافة إلى استمرار احتلال الجزر الإماراتية. ومن هنا يتبين إدراك إيران أن السبيل الحقيقي لتحقيق حلم الإمبراطورية، هو عبر تفتيت وحدة الخليجيين، بعد أن نجحت في تفتيت العراق وسورية، واختطاف القرار اللبناني الذي تجاوز العام من دون رئيس، إضافة إلى محاولة تحويل اليمن لمستعمرة إيرانية، عبر دعم الميليشيا الحوثية والرئيس علي عبدالله صالح.

الإيرانيون والإيرانيون العرب أمثال هيكل أملوا بأن يكون الاتفاق النووي بارقة أمل لعلاقات مصرية – إيرانية تمثل كماشة لدول الخليج، ولكن المؤتمر الذي جمع وزير الخارجية العُماني يوسف بن علوي ووزير الخارجية المصري سامح شكري في القاهرة، كان حاسماً في توضيح المواقف، إذ صرح شكري بوضوح بأن: «العلاقات مع إيران كما هي عليه، وليس هناك تطور يؤدي إلى تغير الموقف الحالي»، مؤكداً بوضوح أن مصر دولة تلتزم بالقواعد الحاكمة للعلاقات الدولية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وضرورة الاحترام المتبادل.

وكان هذا تأكيداً آخر على أن مسعى التشويش على العلاقات الاستراتيجية والقوية بين مصر والسعودية، ومصر ودول الخليج بطبيعة الأمر، أقوى وأعمق من أن تعكر، بل إن ثبات العلاقة بين مصر والسعودية يمثل التحدي الأهم أمام طموحات التوسع الإيرانية، وقد كانت الآمال في تردي تلك العلاقات موجودة عند «الإخوان» كأصدقائهم الإيرانيين، وقد أزال أي لبس حول ذلك مؤتمر وزير الخارجية السعودي عادل الجبير مع وزير الخارجية المصري سامح شكري، واللذان أكدا أن زيارة خالد مشعل للسعودية لم تكن إلا بغرض العمرة، وأن اللقاءات اليمنية في القاهرة بعلم الرياض.

الخبر غير السعيد للإيرانيين أتى من الكلية الحربية بالقاهرة، حيث كان ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان والرئيس عبدالفتاح السيسي يحضران حفلة تخريج دفعات عسكرية، ولا أبلغ مما قاله الرئيس السيسي من أن زيارة الأمير محمد مهمة لإثبات أننا دوماً معاً، مؤكداً أن مصر والسعودية جناحا الأمة العربية، ولن يرانا العالم إلا معاً، وكان مهماً خروج اتفاق القاهرة والتأكيد على تشكيل القوة العربية المشتركة التي أقرت في القمة العربية الأخيرة، وما التقدم في تحرير المناطق اليمنية إلا تأكيد لأهمية الحلف العربي.

إيران دولة لا تعرف عن التعايش إلا الاستهلاك الإعلامي، وإسرائيل دولة لا تعرف الإنسانية وهي تُحرق طفلاً رضيعاً، ولكن هذان العدوان اللذان يتمنيان تفتيت العرب بل وفنائهم، لن يكون هناك رادع لهم إلا عرب متحدون، ولهذا يجب دوماً أن تكون الخلافات الخليجية – الخليجية، والخلافات العربية – العربية في مستوى الخلافات، ومن دون الافتراق عن الرؤية العربية للأمن القومي وللعدوين المشتركين.

 

صحيفة الحياة

http://alhayat.com/Opinion/Abdulrahmaan-Al-Toriri/10364549

الاثنين 3 أغسطس 2015


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *