في العشرينات الميلادية سقطت الخلافة الإسلامية، وإن كنت أميل إلى تسميتها الخلافة العثمانية، وهذا السقوط متزامنا مع حركات الإستعمار الغربي، ظهرت دعوات لإعادة الخلافة الإسلامية، وتلتها دعوات أخرى للقومية العربية، وذلك من جهة بسبب تغليب الشيفونية القومية على الأممية الدينية، وجزء من جمر القومية الباقي تحت الرماد، يعود لنظرة شعوب عربية للخلافة التركية على إنها إستعمار عثماني بغيض، أذل وقتل الكثير من العرب.
في نهاية الأربعينات الميلادية سقطت فلسطين، كمؤشر رئيسي على فشل الدول العربية كمنظومة متحدة، في التصدي لمخطط زرع دولة في محيطهم، وتلاه نخر الحركات الطامحة للخلافة في مفهوم الدولة الحديثة، عبر طموحات غير واقعية للفكرة الأممية، الستينيات مثلت فشلا للمشروع الأممي العروبي كذلك، بدءا من فشل إتحاد مصر وسوريا والذي لم يصمد لأكثر من عامين، ناهيك عن الفشل الناصري في ضم اليمن، وصولا إلى هزيمة ١٩٦٧ والتي كانت المسمار الأخير في المشروع القومي.
فشل الدول العربية خصوصا دول المواجهة، في تشكيل مواطنة حقه تتعالى على الطائفة والإثنية والدين، وكان المؤذي للفلسطينيين من حيث خبروا أو تغافلوا، أن جمهوريات الإنقلابات العسكرية إختارت فلسطين كمامة لإسكات شعوبها، بإعتبار أن قضية فلسطين تُوجب الصمت عن أي تقصير في التنمية، وتجعل الحديث عن الممارسات البوليسية ترف واجب تركه.
كانت فلسطين حاضرة في خطابات نظام حافظ الأسد، ولم يسعى جديا لتحرير الجولان المحتل حتى يحرر فلسطين، وصدام حسين تاجر بالقضية أيضا، وكان عنده خلل في فهم الجغرافيا، والذي اتجه على محور صفوان – العبدلي – الجهراء – وصولا للعاصمة الكويت، موهما بعض البسطاء أن الطريق إلى القدس يبدأ من هناك، كذلك فعل عبدالناصر وبشكل أكثر فجاجة القذافي.
فلسطينيا لم يكن الفلسطينيون على قلب رجل واحد تجاه قضيتهم، خصوصا بعد رحيل رموز حماس أحمد ياسين والرنتيسي، ورحيل الرمز الفلسطيني الفتحاوي ياسر عرفات، ثم توديع حماس للمقاومة بشكل جزئي خلال العقد الماضي، والقيام أيضا بالعمل السياسي جزئيا كما في إنتخابات ٢٠٠٥، وتبقى المقاومة أداة تستخدم متى ما دعت لها الحاجة السياسية، والأسوأ أنها توظف أحيانا تبعا لأجندة غير فلسطينية، وإيرانية تحديدا ومثال ذلك الساطع خطف الجندي جلعاد شاليط، التي أورثت قتلا ودمارا في قطاع غزه دون تحرير شبر من الأرض المحتله، بل ومن سخرية القدر فتوى المرشد الأعلى علي خامنئي تحريم المشاركة في المعركة على الإيرانيين.
إذن فلسطين كانت “شماعة من لا شماعة له” كما عنونت مقال سابق في مارس الماضي، حيث حاولت أنظمة أن تكون فلسطين شعارها حين لا تملك برنامج عمل، وحاولت تيارات قومية وإسلامية أن تجعلها وقود المريدين، ولكن أخطر مشروع أضر بفلسطين كقضية العرب الأولى هو ثورة الخميني في 1979، وإدراجه لفلسطين كأحد أركان خطاب تصدير الثورة، بل أن الخميني كان يصدر للجماهير إبان الحرب العراقية الإيرانية، أن الحرب على العراق هي السبيل إلى القدس.
ولأن جزء من زخم القضية يأتي من إستعداء خصمها، هذا الخصم تنتصر القضية بهزيمته، ومن هنا يتبين الضرر الإيراني لقضية فلسطين منذ ثورة الخميني، لأن إيران إستطاعت أن تحتل مكانة العدو الأول لكثير من العرب، متجاوزة إسرائيل العدو الأصلي المحتل لفلسطين، وربما كان موضوع معاداة إيران وهل هي عدو بدرجة إسرائيل أم لا، موضوع جدل منذ 2006 إلى ما قبل الربيع العربي، وهنا وهناك بالطبع الأصوات الإيرانية المستعربة، والتي كانت تنافح عن نظام الملالي، وتتبع تلك اللغة المائعة التي تتحدث عن المشتركات، وشارك حركيون كثر في تسويق تلكم البضاعة، كما شاهدنا في صور كثيرة من الضاحية بل ومن إيران أيضا.
عداوة إيران للعرب كل العرب ليست حديثه، ودائما ما تكون مبنية على أساس تصدير الثورة أو التشيع أو التجسس، فالمغرب كشفت عن شبكة تجسس وكذلك الكويت، وفي مصر قبل الثورة قٌبض على خلية لحزب الله، وبالطبع في سوريا ولبنان والعراق والبحرين واليمن لا يحتاج التغول الإيراني لتذكير، كل هذا الإستعداء للعرب كإثنية والدم الذي تم بأيدي إيرانية أو عبر وكلائهم، قدم هدية كبيرة لإسرائيل وبالتالي لقضية فلسطين.
قبل أيام إنطلق على تطبيق سناب شات بث “تل أبيب لايف”، وقد أثار حنق الكثير من الفلسطينيين والعرب، وأكثر ما لمسته من دواعي حنقهم أمرين، الأول تصوير الإسرائيليين لأمور من التراث العربي على أنها تراثهم، من وجبات كالشاورما ومن أزياء كالشماغ ” الكوفيه”، وما منحهم شعور إغتصاب الثقافة بعد إحتلال الأرض، والأمر الآخر الذي زاد حنقهم، هو التمدن التي ظهرت عليه تل أبيب مقارنة بمدن عربية قريبة جدا.
أن يشعر الفلسطينيون والمؤمنون بالقضية بالحنق من مشاعر الظلم ولو عبر صورة، أمر طبيعي ومفهوم لحقيقة المظلومية والحصار والتشريد القائم، ولكن ما دفعني لأسأل سؤال الضرورة ولو بدا مستفزا، وهو عنوان المقال ” هل فلسطين حقا قضيتنا؟ “، هو ما لحظته من ردات الفعل الساخرة على حنق الحانقين من بث “تل أبيب لايف”،
والحقيقة أن هذا السؤال ولو سُكت عنه إلا أنه موجود في نفوس الكثيرين من شباب اليوم، الذين لم تعد فلسطين في أجندتهم، ولم يعد ذكرها يستنهض الهمم كما كان الحال في شباب الستينات والسبعينات.
تراجع فلسطين كفكرة جامعة للعرب هو مؤشر على تراجع فكرة التضامن العربي بعد فكرة إندثار فكرة الوحدة، رمزية فلسطين هي توحد العرب حول القضية، ولكن ما تخشاه دوما إسرائيل هو وحدة العرب حتى في المفاوضات، وهذا ما جعلها تذهب في مفاوضات إحادية مع مصر ثم الأردن وكذلك سوريا، وكانت ستذهب مع لبنان كذلك منفردا، لولا أن القرار اللبناني بالسلم يصدر من دمشق تحت ذريعة “تلازم المسار”، والقرار اللبناني بالحرب يصدر من طهران تحت ذريعة “المقاومة”.
اليوم نستطيع القول بأن إيران والطائفين القتله بإسمها في سوريا والعراق تحديدا، هم أهم الأسباب في كون فلسطين ليست قضية الكثيرين اليوم، حيث شاهدنا المالكي في العراق والأسد في سوريا يقتلون حسب الهوية، وبأبشع أدوات القتل والتنكيل من براميل وأسلحة كيماوية، وهذا ما جعل التدخل الإيراني يحتل مكانة الخطر الأكبر في نفوس الكثيرين، الذين يرون النار الإيرانيه مستعره بالقتل والدمار والإحتقان الطائفي أكثر من الدخان الإسرائيلي.
الموقع الشخصي
14 يوليو 2015
اترك تعليقاً