ليوم الجمعة حرمة، ولشهر رمضان حرمة، ولكن من اعتنقوا دين الإرهاب هتكوا كل حرمة، ففي ثاني جمع شهر رمضان المبارك حوادث إرهابية ثلاث، أولها في مدينة ليون الفرنسية، والآخر داعشي تونسي قرر قتل 39 سائحاً أجنبياً آمناً، كانوا في فندقين بولاية سوسة على الساحل الشرقي التونسي، وجرح في الحادثة أيضاً ما يقارب 39 شخصاً، معظمهم حاله حرجة، وثالث الفتن كان الاعتداء الإرهابي على مسجد الإمام الصادق في الكويت، عبر تفجير انتحاري أودى بحياة 28 شخصاً وجرح أكثر من 200، بحسب «وكالة الأنباء الكويتية».
كويتياً، لا يمكن أن نأخذ الحادثة الإرهابية بعيداً عن سلسة الحوادث المشابهة في السعودية، من تفجير الدالوة ثم تفجير مسجد القديح وبعده تفجير مسجد الإمام الحسين بحي العنود في الدمام، حوادث متشابهة تهدف إلى شق الصف وإذكاء الطائفية، وارتباطها بالأهداف الإيرانية مع اقتراب حسم الاتفاق النووي، أكبر بكثير من ارتباطها بفكر «داعش» المحض، إذ إن «داعش» كتنظيم تكفيري لم يتعرض لإيران قط، كما لم يفعل تنظيم «القاعدة» من قبل، وأن تنكيل «داعش» سورياً وعراقياً لم يتجاوز السنة عرباً وكرداً، وبعض الأقليات المغلوبة على أمرها كالإيزيدية.
من هنا يبدو أن قيادات «داعش»، والتي تعتبر علاقات من وراء حجاب بينها وبين تركيا وإيران ضرورة بقاء، تقدم، فيما يبدو، خدمات طائفية في الداخل الخليجي، عبر مواطنين خليجيين نجح التنظيم الإرهابي في غسل أدمغتهم، البحرين، أيضاً، أحبطت أكثر من عملية إرهابية، وتم الإعلان عن كميات أسلحة كبيرة، بعضها كان بغرض العبث المحلي، والبعض الآخر كان بهدف تصدير الفتنة إلى المملكة.
هذا التحرك الذي لا تستفيد منه إلا إيران، والهادف إلى ضرب اللحمة الوطنية في دول الخليج، وكما يُبحث في تحليل الجريمة عن المستفيد فالتوقيت أيضاً له دلالة، وبحسب المستفيد «إيران» فسلسلة الاستهدافات الإرهابية أتت بعد فشل إيران في دعم الحوثيين وصالح، أو إيصال أي سلاح لهم بحراً أو جواً، ونجاح التحالف الخليجي العربي في إحكام الطوق على اليمن، وصولاً إلى المشهد الدرامي الهابط للحوثيين في جنيف، والذي أكد أنهم ليسوا فصيلاً سياسياً يعرف طريقة الجلوس على طاولة المفاوضات، وأنهم لا يعرفون إلا الاستمرار في القتال كطريقة تعرف العالم بوجودهم.
الإيرانيون ازدادوا توتراً مع التحرك الديبلوماسي السعودي أكثر من نظيره العسكري، فزيارة الأمير محمد بن سلمان إلى روسيا ثم فرنسا أثارت القلق الإيراني كثيراً، إذ إن المنهجية الإيرانية لصانع السجاد، تعتمد على العمل لأعوام، مع توقع برفع فعل نمطي من الخصم، ولهذا فالتحرك السعودي من «عاصفة الحزم»، إلى توثيق التحالف مع روسيا وفرنسا وربما الصين قريباً، كان كمن «قطع البدلة العسكرية قبل أن يهم لابسها بوضع النياشين كعسكري للمنطقة».
وعلى رغم عدم وجود معلومات كافية عن حادثة فرنسا حتى الآن، إلا أن ربطه بالمفاوضات النووية ذو وجاهة، لاسيما والفرنسيين يمثلون صقور المفاوضين على الملف النووي مع إيران، ووزير الخارجية لوران فابيوس وصل فيينا مشهراً الشروط الثلاثة. وهي، أولاً: الحد الدائم للقدرات النووية الإيرانية في مجالي الأبحاث والإنتاج، والثاني: هو تحقق صارم من المواقع الإيرانية، بما فيها العسكرية إذا استدعت الحاجة، أما الثالث: فعودة العقوبات بطريقة آلية في حال انتهاك إيران لالتزاماته.
في تونس، يبدو غريباً جداً أن أكثر عناصر «داعش» في سورية كانوا من الجنسية التونسية إبان حكم حركة النهضة (فرع تنظيم الإخوان في تونس)، ثم تتعرض تونس إلى عمليات إرهابية تباعاً منذ خسارة النهضة للانتخابات، وتولي الباجه قائد السبسي رئاسة الجمهورية.
هذه المتلازمة بين مطرقة «حكم الإخوان» أو سندان «إرهاب داعش»، شاهدناها عبر حركيين في شبكات التواصل الاجتماعي مباشرة بعد تفجير مسجد الإمام الصادق بالكويت، في محاولة لوم كل مثقف وسياسي أسهم في التصدي للفاشية الدينية عبر حكم الإخوان في مصر، باعتبار أن عدم السماح بممارسة «الإخوان» للسياسة باعتبارهم «حمائم الإسلام السياسي»، هو ما أخرج الوجه البديل من أقصى يمين الإسلام السياسي «داعش»، وهذه أقصى درجات الانتهازية والتسويق من على بقع الدم.
وهنا يجب أن ندرك الخطر الداخلي بوعينا للعدو الخارجي نفسه، فلسنا بحاجة إلى الاستنكار والشجب من الحركيين الإسلاميين بعد كل حادثة إرهابية على «تويتر»، بل نحتاج منهم رأياً صريحاً حول حكم قتل الآمن الشيعي والسني، إذا كان الوطن حقاً هو الأهم لديهم، أما هذا الخطاب الرمادي الذي يسمح دوماً بالقفز من حبل لآخر «إذا تغيرت قواعد اللعبة» في نظرهم، فليس خطاباً وطنياً، بل خطاب يخدم المصلحة الشخصية والتنظيمية بحسب رؤية الأحداث.
صحيفة الحياة
http://alhayat.com/Opinion/Abdulrahmaan-Al-Toriri/9680342
الاثنين 29 يونيو 2015
اترك تعليقاً