«الربيع العربي» الذي بدأ في تونس، يمر الآن بمرحلته الثالثة، وهذه المراحل تنطبق على دول الشمال الأفريقي الثلاث، تونس ومصر وليبيا، إذ سقوط النظام، ثم حُكْم الإسلاميين، ثم رفْض الإسلاميين، المرحلة الثالثة في تونس بدأت في رفض الأقلية البرلمانية السابقة تمرير الدستور، فانحنى «الإخوان المسلمون» للموجه وحلوا الحكومة.
ثم تلا ذلك سقوط «الإخوان» في الانتخابات البرلمانية، ثم فوز الباجه قائد السبسي في انتخابات الرئاسة، وأسمِّي المرحلة الثالثة رفضاً للإسلاميين أكثر من أي شيء آخر؛ لأنك تلمح في عين الناخب التونسي ومن قبله المصري خشيته من النموذج الإيراني، وخشيته من الحكم الشمولي الإسلامي، حتى لو كان اختياره لشخص له صلة بشكل أو آخر بالنظام الذي أسقطته الثورة.
الإسلاميون ليسوا ديموقراطيين ألبتة، بل إن الديموقراطية نقيض لنمط تفكيرهم، ومفهومهم عن الصندوق الانتخابي، هو صندوق يأتي بنا أو تابوت لأعدائنا، وما خطواتهم إلى الخلف في تونس، إلا إدراكاً منهم للطبيعة العلمانية للمجتمع التونسي، وليس أدل على ذلك من زيارة راشد الغنوشي إلى قبر بورقيبة في الانتخابات الأخيرة، بل إنه كان يرفض ذلك في الانتخابات التي تلت الثورة، إبان جنون العظمة الذي أصاب «الإخوان»، وأخيراً هم يدركون مدى مراهنة المجتمع الدولي على نجاح تجربة «الربيع» في بقية الدول، وفشل تجربة زرع الديموقراطية عنوة في العراق، ويخشون أيضاً من قوة اتحاد الشغل وتأثير المرأة القوي في تونس.
«الإخوان» حين حكموا في تونس كانوا يحسبون الخطوات ويتعلمون من محيطهم، ومن ردات الغرب على كل تغيير، حاولوا في بداية الأمر إبداء زهد في الحكم، عبر الإتيان برئيس محسوب على اليسار، هذا كان العنوان العريض، أما الواقع فكان السعي إلى تعديل الدستور، كي يكون النظام برلمانياً بدلاً من أن يكون رئاسياً. وجود التونسيون كأكثر العناصر في «داعش» هو علامة استفهام كبرى، ولاسيما والعنف السلفي الذي كان يستهدف دور السينما والمسارح في تونس، خف بعد سطوع نجم «داعش».
تونس لا تشبه أي وطن عربي آخر، لأن بورقيبة صنع وطناً علمانياً يقبل الآخر ولا يسطو عليه، وكان حكيماً حتى حين دعا الفلسطينيين للقبول بحل الدولتين قبل 1967، ولكن جمهوريات المذياع والممانعة، أبت إلا أن تصمه بالعميل، حتى حصلت الحرب، وأصبحت سيناء والجولان وفلسطين كاملة محتلة.
وللعلمانية إشكالية كبرى مثل معظم المصطلحات الواردة من الخارج، فالمصطلح يأتي إلى أمة لا تقرأ، فيبدأ صناع الرأي -ولاسيما الأيقونات الدينية- ووسائل الإعلام، بتشكيل هذا المصطلح في أذهان المتلقي، وفي حقبة الشريط الإسلامي كم شهدنا من عبث، جعل مصطلح «علماني» لفظاً موازياً لكافر، سقوط بن علي الذي أبقى العلمانية لم يكن سقوطاً للعلمانية، بل كان سقوطاً للديكتاتورية والفساد.
هل الديموقراطية قابلة للتصدير؟ «كتاب صدرت نسخته العربية العام الماضي، لمؤلفيه زولتان باراني وروبورت موزر، وقدم له الأستاذ عبدالرحمن الراشد، والديموقراطية أكثر الكلمات رواجاً في عالمنا العربي، ومن هنا جاء تساؤل المقالة بعد فوز السبسي في الانتخابات الرئاسية.
وأعتقد بأن العلمانية أصعب انتشاراً؛ لطبيعة مزج السياسي للدين في خطابه، على رغم كونها التربة اللازمة لنشوء ديموقراطية حقيقية، ولاسيما في المجتمعات المتعددة الأديان والإثنيات، والحديث عن العلمانية هو أمر لازم عند الحديث عن تونس، ليست تونس بن علي ولا تونس السبسي، إنها تونس بورقيبة، الذي أسس لنظامها العلماني، والرافض لفكرة أن يحكمه أحد سياسياً بعمامة الدين، ويبقى التحدي الحقيقي للسبسي هو تطعيم حكومته بالشباب، حتى يبقى شيء من ثورة الياسمين مزهراً بالشباب.
صحيفة الحياة
http://alhayat.com/Opinion/Abdulrahmaan-Al-Toriri/6518644
الاثنين 29 ديسمبر 2014
اترك تعليقاً