حكمت محكمة جنايات القاهرة السبت، برئاسة المستشار محمود كامل الرشيدي، ببراءة الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك في قضية قتل المتظاهرين؛ لعدم جواز نظر الدعوى الجنائية ضده، وبانقضاء الدعوى الجنائية في قضية فيلات شرم الشيخ، والمتهم فيها مبارك ونجلاه علاء وجمال بتلقي هدايا من حسين سالم.
قانونياً، تعتبر هذه القضية من أكبر القضايا في مصر والعالم العربي، من حيث الزخم ومن حيث التجربة القانونية الحديثة، إذ لم يسبق أن رُفعت قضايا على رئيس جمهورية، حتى بعد خروجه من الحكم، القضية ضخمة كذلك من حيث مستنداتها التي جاوزت الـ170 ورقة، بل إن الحكم بأسبابه التفصيلية والتي تشمل المواد التي استُند إليها قانوناً، وكذلك شهادات الشهود والأدلة، بلغت عدد صفحاتها أكثر من ١٤٠٠ صفحة.
وكان أبرز ما قاله المستشار الرشيدي، تقديمه لتلخيص للحكم في نحو 200 صفحة، محاولاً تقديم معلومة للإعلاميين في الصحف والمواقع والبرامج التلفزيونية، حتى لا يكون الرأي حول المحاكمة مبنياً على الهوى، وعلى مدى محبته أو بغضك لمبارك ونظامه، وهو ما اعتدنا رؤيته في الإعلام والشبكات الاجتماعية، وسنراه بالطبع في محاكمة الرئي المخلوع محمد مرسي وجماعة الإخوان.
ومن المفهوم أن يغضب أهالي الشهداء من أحكام البراءة، سواءً بحق الرئيس الأسبق أو بحق وزير الداخلية ومعاونيه، لكنه فرصة لهم ليتساءلوا عن المتهم الحقيقي وراء ذلك، وهل هناك جماعات أخرى وقناصة قتلت أبناءهم، وبعضهم من جنسيات عربية أم أن المتهم وزارة الداخلية؟ ولكن النيابة لم تملك الأدلة الكافية لإدانتهم خارج نطاق «محاكمة القرن»، يبدو مريباً توقيت «ثورة الشباب المسلم»، والتي حدد لها موعد الجمعة ٢٨ تشرين الثاني (نوفمبر) وهو اليوم السابق للنطق بالحكم، خصوصاً والمحكمة كانت حسمت أمر الحكم، وأجلت الأخير للانتهاء من كتابة تفاصيل الحكم.
ومن المتوقع أن يُستغل الحكم من «الإخوان» وبقية الجماعات التكفيرية؛ للركوب مجدداً على دماء الشهداء ومحاولة زحزحة الأمن، على رغم أن النيابة تملك الحق في الطعن على الحكم وغالباً ستفعل.
ومن الصدف العجيبة، أن الأسبوع الماضي شهد تبرئة الشرطي الأميركي الذي قتل أميركياً أسود اللون بست رصاصات، والذي حدث في ميزوري الأميركية، بعد الاستماع إلى وجهة نظر المحلفين، والذين كان منهم ثلاثة من السود، وكان المواطن الأميركي الأسود سرق متجراً قبيل ملاقاته للشرطي الأبيض، وقد كان شعار المتظاهرين رفع الأيدي، إشارة إلى أن السارق كان يرفع يديه ولم يقاوم، ولكن الطب الشرعي أثبت أن يديه لم تكن مرفوعتين حين تلقيه الطلقات.
الرئيس باراك أوباما أشار في حديثه إلى أن النفوس الأميركية لم تتخلص بعد من العنصرية بالكامل، وهنا نذكر كيف فرق القضاء المصري بين القتلى في ميادين الثورة، وبين القتلى الذين لقوا حتفهم أمام مراكز الشرطة، أو خلال حوادث اقتحام السجون، وندرك أيضاً كيف أن الكثيرين من الشعب المصري لا يزال يحمل في نفسه الكثير على جهاز الشرطة، وعلى ممارسته في فترة «الفراغ الرئاسي الإرادية»، وهي الفترة التي تخلى فيها مبارك عن مسؤوليات الحكم، وخلا بنفسه في شرم الشيخ.
المستشار الرشيدي، أشار في نقطة بالغة الأهمية خلال نطقه الحكم، الى أن المحكمة لا شأن لها بالسياسة، وهذا ما يُفترض بالقضاء المصري المستقل، وحين ندرك أن الحكم الصادر بحق الرئيس مبارك هو حكم المحكمة الجنائية، نوقن أن مبارك ليس مسؤولاً عن قتل المتظاهرين، وليس مداناً بأي تهمة جنائية مما نسب إليه.
ولكننا ندرك أيضاً، أنه مسؤول مسؤولية سياسية، ليس موقع النظر فيها هو القضاء، فمبارك مسؤول عن الوضع الذي وصل إليه التعليم والبطالة في مصر، ومسؤول عن الوضع الاقتصادي الذي ضاعف تركيز رؤوس الأعمال لدى طبقة نافذة، ومسؤول سياسياً عن السماح للإخوان المسلمين من دون غيرهم، من التغلغل في النقابات، والتحرك السياسي في المحافظات، وتجريف كل فرص وجود أحزاب ديموقراطية أو يسارية أو ليبرالية.
صحيفة الحياة
http://alhayat.com/Opinion/Abdulrahmaan-Al-Toriri/5984680
الاثنين 1 ديسمبر 2014
اترك تعليقاً